ليزان عفدكي

تواجه المرأة عوائق كثيرة في حياتها اليومية، والمرأة الكاتبة إحدى هذه النساء اللواتي يعانين هذه العوائق علما إنها كسرت الكثير من القيود لتصل لمستوى تتحدى فيه الكثير من العادات والتقاليد، إلا أنها وعلى الرغم من ذلك لم تسلم من القيود التي حدت من إبداع المرأة في الكتابة، فمثلًا الكلمة التي يكتبها الرجل بحرية تامة تقدم عليها المرأة بحذر أو قد تتجنبها المرأة خوفًا من اتهامات مقولبة.

الكتابة فعل إبداعي… ولا جنس في الإبداع
إذا تحدثنا عن الكتابة وعوالمها فهناك أبواب كثيرة نستطيع الدخول من خلالها وقد نتوه في بعضها لما تحمله من مشقات، أحيانا لا يستطيع المرأة تجاوزها، ولكن وبما أن فعل الكتابة هو فعل إبداعي بالدرجة الأولى فيحتاج إلى الكثير من العمل الجاد والإبداع بنفس الوقت، وحتى نصل لهذا الابداع يجب تخطي الكثير من العادات والتقاليد، التي تقيد أدمغتنا بفعل التكرار والممارسة؛ لذا نجد الكتاب قد تجاوزوا الكثير من الأفكار البالية وكسروا الكثير من القيود وبالأخص المرأة الكاتبة لما تتسلح روحها دائما بالتحدي.

على الرغم من كل الذي أسلفنا ذكره يبقى هناك سؤال يطرق الأذهان…
وفي هذا السياق وقبل أن نطرح السؤال هناك مقارنات كثيرة بين كتابات المرأة وكتابات الرجل حتى أدرجوا مصطلح الأدب النسوي او الأدب النسائي في عالم الأدب علما أن لا جنس في الإبداع.
أما بالنسبة للسؤال فهو:
هل تستطيع المرأة ممارسة الكتابة بنفس الجرأة التي يمارسها الرجل؟!
في إحدى لقاءاتي مع إحدى الشاعرات سألتها هل تستطيعين أن تكتبي كل الذي يخطر في بالك؟
فقالت: بالطبع لا فهناك كلمات التف حولها وربما أحيانا ألجأ إلى إفراغ محتواها من خلال اختيار كلمة بديلة لتلائم المجتمع الذي سيهاجمني باتهاماته الجاهزة، فكتبت في إحدى المرات قصيدة لا تتعدى حدود الأدب أو الأخلاق وكنت حريصة جدا في نقل مشاعر نقية صادقة، إلا إنه كثرت الأسئلة التي وجهت إلي وصنفت ضمن القصائد التي تتحدث عن الجنس علما إنها بعيدة كل البعد عن هذا المفهوم.

ملعب المرأة ضيق في الكتابة في ظل تقاليد المجتمع
في الوقت الذي تحتار فيها الكاتبة لوضع حدود لتضاريس ملكاتها، يكون الرجل حراً في التجوال بين اللغة التي تتطوع بفعل العادات والتقاليد لخدمة ملكاته دون أن يوبخ أو يوجه له أي اتهام، بل على العكس تماما تنصب في خانة إبداعه.
ومن جملة تساؤلاتي وأسئلتي سألت كاتبة أخرى:
نحن في عصر الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي التي تجتاح العالم وهو فضاء واسع متطور، ولكن بالرغم من ذلك فإنهن تتعرضن للكثير من المشاكل، وأخص بالذكر الكاتبات والفنانات والشخصيات العامة مما يسبب أحيانا في إنشاء خلافات عائلية فما السبب؟
فقالت بالحرف الواحد:
الشاعر أو الكاتب يستطيع التحايل على المواضيع حيث أن اللغة ملعبهم ولكن ملعب المرأة ضيق وضيق جدا.
فمن الطبيعي جدا أن ترد على قصيدة بقصيدة أو بتعليق شعري، هذه العادة متبعة عند الشعراء والكتاب وليس بالضرورة أن يكون هذا التعليق لذات الشاعرة بل إنها فضاءات الفن.
فقد اضطررت في كثير من الأحيان لحذف تعليقات على منشوراتي تجنباً للمشاكل وللأسئلة التي ستواجهني، في الوقت الذي يكتب الشاعر ويرد دون أن يحسب حساب لأي استفسار، لأنه لن يتعرض لهكذا استفسارات وأن تعرض فلن تأخذ من مساحة حريته شيئا.

لأنني رجل لا قيود عليّ!
وإنْ تطور مجتمعنا بعض الشيء إلا أنه إلى الآن هناك كاتبات تطبعن كتبهن بأسماء ذكورية، وذلك خشية التعرض لانتقادات لاذعة تخص أنوثتهن وقد تصل أحيانا الى حرمانهن من الكتابة من قبل العائلة، لأنه كما هو الآن في واقعنا (لا قيود للرجل) بينما تكافح النساء لإبراز القليل من إبداعهن الكثير.
فإن اعتقدت بأن هذه الطريقة ساعدت بعض النساء لعرض كتاباتهن وآرائهن فانت مخطئ!
بينما يكتب الرجل بشكل شمولي عن الإنسان… عن العالم لتحسينه أو تغييره أو لإيصال فكرة معينة، تنشغل المرأة في إظهار أنوثتها المكبوتة وانتقاء أسماء وكتابات منوعة لذلك نرى بأن الكثير من الكاتبات أفكار كتاباتهن محدودة فتبدعن في إظهار همومهن في العالم الأنثوي أكثر من كل شيء.
الجدير بالذكر بأن من الصعوبات التي تواجهها المرأة الكاتبة في مسيرتها بأنها لا تتفرغ للكتابة لما يقع على عاتقها رعاية الأسرة وأعمال المنزل ومهام الأمومة، فلم ينكسر عوائق تحقيق الجندرة في الأسر الشرقية بعد والوقت في حياة المرأة الكاتبة الشرقية غير وفير.

الصورة النمطية عن الكاتبة يعيقها في توسيع آفاقها وكيف نحقق الجندرة في الكتابة؟
عندما تسمع كلمة كاتبة تطرق على أذهان الكثيرين فكرة “امرأة جنسية” فبالرغم مما ذكرناه سابقا في حرص المرأة الكاتبة في انتقاء حروفها، إلا أنها تعطي انطباعا متخلفا لدى العديد من الناس مما يؤثر سلبا في الكاتبة، وهذا التأثير يحد في آفاق المرأة الكاتبة ويعيق طيرها السارح في سماء إبداعاتها.
حيث ينحصر مستقبل المرأة في مجتمعنا بالزواج ومن ثم دورها كأم، غاضين النظر بما يحق لها في ممارسة هوايتها أو تحقيق طموحاتها سواء في الدراسة أم الكتابة أو حتى في حياتها العملية، فطالما كان تحقيق الإنجازات شأنا ذكوريا خاصا.
وإن كان طريق المرأة الكاتبة وعرا وشاقا في مسيرتها لتحقيق مبتغاها، إلا أنه يجب أن تكافح ولا تستسلم وأن تواصل ممارسة هوايتها ككاتبة لتصل إلى ما تطمح إليه غير آبهة بالعوائق التي ستتلقاها ولكن ذلك لا يكفي، فالجدير بالذكر فإن تحقيق مفهوم الجندرة في الكتابة لا يقع على عاتق النساء فقط. فالوعي المجتمعي لا يخلق إن لم تتصافح أيدي كلا الجنسين لكسر بما رسمته العادات والتقاليد من حدود تمنع الجندرة، حيث أن انتشال الصور النمطية للمرأة الكاتبة يتطلب ثورة معرفية تؤمن بأن الروح الكتابية لا تقبل التنميط.

ليزان عفدكي: كاتبة صحفية
الصورة تعبيرية من النت

By admin-z