شيرا اوسي

ثمة وجود خط مستقيم مرسوم للمرأة منذ ولادتها حتى وفاتها من قبل الذهنية الذكورية والتقاليد الشرقية الرجعية حيال المرأة، لا يمكن إيجاد ذاتية وفاعلية أنثوية ونسوية نابعة من إرادتها في عوالم العقلية الذكورية، كون الرجل أو الذكر في منطقتنا يجد نفسه هو السيد الذي يجب أن يكون مُتسيدا وبالتالي مُتسلطا، في عالم كهذا كعالمنا الشرقي، هناك إبعاد وتصفير للمرأة داخل منزلها فيما يخص القرارات التي تخص شؤون الأسرة، علماً أن المرأة تمثل العمود الفقري للعائلة، سواء من حيث تنشئة أطفالها أو الاهتمام والعمل لأجل أسرتها لتطورها، ورغم ذلك تجد المرأة نفسها صامتة وبعيدة عن المواضيع أو نقاشات التي تناقش عن أولادها ومصيرهم، وعن القرارات التي تتخذ من قبل زوجها حول مسألة معينة.

“التجهيل والتحجيم”
كل مرة تجد “فاطمة” الأربعينية حالها بعيدة عن سياق القرارات التي تتعلق بمستقبل أطفالها وعائلتها، ليصل الأمر بزوجها إلى اتخاذ قرار مسبق بتزويج ابنتهما لابن أخيه، وذلك أثناء نقاش دار على مائدة الضيافة في إحدى الجلسات التي كنت حاضرة معهم ودار النقاش حول العلاقات العائلية، الأمر الذي أثار ملامح الدهشة على وجه زوجته، “منذ متى قررت؟ ومن قال سنزوجها لابن عمها؟”… “أنا قلت وأنا قررت”.

لحظات لتمتد إلى ساعات ليكون دهشتي أكبر من دهشة “فاطمة”، لم أكن أتخيل أبداً أن تكون مستوى العلاقة الزوجية بهذا التدني والسطحية، ومدى الإنكار التي تتعرض لها “فاطمة” دون أن يتم استشارتها أو معرفة رأيها في موضوع سيحدد مصير ابنتهم.

استبعاد “فاطمة ” عن الشؤون العائلية والقرارات حتى في أبسط الأمور يجعلها تشعر بالعزلة والوحدة داخل البيت، وبالرغم من حياتها الزوجية الطويلة، بات تهميشها من المشاركة في القرار وإبداء الرأي حول أوضاعهم الأسرية مسألة مزعجة تحملتها لسنوات، مُراهنةً على الزمن عسى أن يتغير حال زوجها، واليوم تشعر جراء ذلك بعدم وجود أية أهمية لها في المنزل.

تتعرض المرأة في أسرة كهذه لحالة استبعاد فظيع، لا يبالي فيها الزوج لأي اعتبار أو قيمة للمرأة، وذلك نابع من الصورة النمطية التي يجب أن تكون القرارات ومصير العائلة في المنزل بيد الزوج، والمرأة دائماً خارج دائرة النقاشات المتعلقة بالقرارات العائلية، أما في حال أبدت برأيها تقابلها رفض قاطع في أحسن الأحول أو تتعرض للضرب أو الإهانة.

“ضحالة فكرية وعملية في الشؤون العامة”
في إحدى جلساتنا تطرقت صديقتي إلى تجربتها الزوجية بعد مرور خمس سنوات، حيث تقول إنها وزوجها تتجادلان حول موضوع ضرورة الأخذ بالرأي الآخر أيضا، ويصر زوجها حسبما تقول إنها ليس لديها القدرة على اتخاذ القرار لكونها قضيت حياتها كلها في المنزل والدراسة، أما عن الحياة العملية فهي لا تعلم عنها شيئاً، هكذا عبرت “…” عن الحال مع الشؤون العائلية ونهاية كل نقاشاتها مع زوجها، وأشارت إلى أنها في العديد من المرات تفاجأت بالقرارات التي يتخذها من خارج البيت، وكأنها غير معنية بالأمر.

إن تهميش واستبعاد المرأة عن القرارات الأسرية عن قصد من قبل الرجل واعتبار مسؤولية ذلك يقع على عاتق الرجل وحده، ما يجعل من المرأة تجد نفسها غريبة في منزلها وتشعر بأنها عديمة الأهمية في العائلة، الأمر الذي يسبب بخلق العديد من المشكلات والخلافات العائلية الناتجة جراء ذهنية وسلوكية الرجل في المنزل.

“عليها التنفيذ”
لا يكترث زوجي لرأيي عندما يبدأ النقاش بيننا حول موضوع معين عن الأسرة، وكأني أتحدث مع نفسي، بهذه الكلمات عبرت “ياسمين” عن واقع حالها في المنزل ومدى التهميش المُمارس من قبل زوجها، وتشير إلى تعرضها للإهانة لأكثر من مرة لمجرد الإصرار على رأيها أثناء سجال جرى بينهما، وحسبما تقول فإن زوجها يكرر من مقولة “أنتِ لا تعلمين شيئاً.. لا تتكلمي”.

ياسمين إحدى النسوة اللواتي يعشن حالة من اليأس مع أطفالها وزوجها، حيث تؤكد بوصولها إلى مرحلة لم تعد تطيق العيش داخل كنف الأسرة، لكونها تحولت إلى أداة لتنفيذ الأوامر فقط، “الأمور العادية لا أستطيع إبداء رأيي حولها”، تقولها وهي مستهجنة من تغييبها وعدم أخذ رأيها ومشورتها في أية قرارات كانت حتى فيما يتعلق بأطفالها من الدراسة وغيرها من الأمور العائلية.

إن توعية الرجل الشرقي بضرورة وأهمية مشاركة المرأة في إدارة المنزل أمر في غاية الصعوبة، فهو لا يتقبل ذلك نهائياً، إنما هناك نمط مترسخ لديه يبرز في امتثال المرأة لأوامره فقط، فهو لا يدرك الآثار السلبية التي تترتب من تغييب المرأة عن فن إدارة العائلة، وهو ما يعني بالدرجة الأولى فقدان الثقة، الأمر الذي يسبب متاعب ومشقات كبيرة للعائلة.

“ضرورات التغيير”
إن مشاركة المرأة مع الزوج في القرارات الأسرية تبني الثقة المتبادلة ويعمق صلات التفاهم بين الطرفين ويغني الآراء داخل الأسرة، ولا بد من إدراك الرجل لأهمية النظرة الأنثوية عند المناقشات وإبداء القرارات، وترسيخ مفهوم الجندر ولأن طبيعة الحياة اليومية في العائلة تشاركية تكمن فيها الاختلافات التي من الواجب القبول بها، وليست أحادية فردية، فكل ذلك له عدد جم من الفوائد تعود لصالح جميع أفراد الأسرة.

ولتمكين ذلك لا بد من إرساء التوازن الجندري وترسيخه وخلق وعي حول هذه الثقافة وكيفية زرعها في الأسرة، ما يجعل من بناء عائلة تشاركية تشعر أفرادها بالاحترام والطمأنينة والإصرار على نجاح وتنفيذ القرارات التي اتفقوا عليها، الأمر الذي سيفتح الطريق أمام نماء وتطور الأسرة نحو الأفضل، في أجواء مفعمة بالود وإخلاص والثقة.

شيرا اوسي : كاتبة صحفية

الصورة تعبيرية من النت

By admin-z