حسن قوشو

شهد العالم في السنوات الخمسين الماضية تطورًا هائلًا في مختلف المجالات الفكرية منها والتقنية، وغزا التطور جميع مفاصل حياتنا حتى أبسطها، وبالرغم من ذلك ظلت القضايا الجندرية والنمطية باقيتان متأصلتا متجذرتان في مجتمعاتنا، فالأحكام المسبقة المتعلقة بالأنثى وحياتها وحقوقها وواجباتها بقيت إلى حد كما هي، وربما ازدادت النمطية الموروثة منذ مئات السنين أضعافًا مضاعفة.
قفزنا مئات الأميال من التقدم في مجالات الإنترنت والتكنولوجيا والعلوم ووصلنا إلى حد يقف فيه العقل البشري مندهشًا وعاجزًا أمام ما يشاهده من ابتكارات واختراعات، وبالمقابل بقيت نظرة المجتمع وأحكامه المسبقة على المرأة والمطلقة منها بشكل خاص كما هي.
اندثرت نظريات علمية عدة كانت لسنوات وسنوات قواعد أساسية تنظم حياتنا على كوكب الأرض، لكن بقيت المرأة المتزوجة تفكر مئات المرات قبل أن تطلب الانفصال عن زوجها، لخوفها وحساباتها الكثيرة لكونها أنثى، ولسان حالها يقول كيف لها مواجهة نظرات المجتمع، وكيف سيتعامل معها أهلها بعد الانفصال، وما هو مصير أولادها وكيف ستقوم بتربيتهم وغير ذلك الكثير مما يدور في مخيلتها من المعضلات التي قد لا تجد لها حلولا أو أجوبة في مجتمع نمطي لا يبصر أبعد من أنفه.

“الطلاق ما بين قبول ورفض الأهل”
تقول “أم لوند” وهي من سكان مدينة قامشلو ذات ال 27 ربيعًا، قبل زواجي والذي مر عليه 4 سنوات، وتحديدًا في مرحلة الخطوبة اكتشفت بأن الشاب الذي ارتبطت به لا يناسبني وبأن هناك شرخ واضح في مستوى التفكير بيننا، كنا نتصادم أكثر من مرة وتختلف وجهات نظرنا على أمور بسيطة في وقت يعجز هو عن فهمها، حينها قررت الانفصال عنه، لكنني تفاجأت بالموقف الصارم من أخي الكبير الذي رفض الفكرة كليًا، والذي كان يرى بأنه ومن الحكمة أن أتوانى باتخاذ القرار وبأنه علي أن أتجاوز تلك المشاكل خلال النقاش أو حتى في عدم الخوض في أحاديث تجعل خطيبي يفقد أعصابه.
أم لوند تؤكد بأنها كانت متيقنة تمامًا بأنها لا تتفق مع خطيبها، لكنها وبالمقابل أيقنت أكثر بأن نمطية مجتمعها ونظرته للفتاة التي تفسخ خطبتها قد يجلب لها قدرًا كبيرًا من المشاكل، وربما يعرض عن خطبتها الشباب، خاصة عندما يعلمون بأنها هي من تركت خطيبها السابق.
أم لوند تعرف تمامًا بأن المجتمع لن يفهم أو يستوعب حجم معاناتها مع خطيبها وهما في مرحلة الخطوبة بعد، لكنها تعرف بالمقابل بأن التقاليد البالية والأحكام المسبقة ستظلمها أكثر من خطيبها كونها أنثى وربما لن تنصفها أبدًا.
قررت أم لوند أن تكمل معه ضاربة بذلك كل توقعاتها وأحاسيسها التي تؤكد فشل زواجها مسبقًا، عاقدة الأمل على الزمن الذي قد يكون كفيلًا بتغيير عقلية خطيبها وربما عقليتها لكي تتكيف مع زوجها المستقبلي.

“الانفصل بعد 4 سنوات”
منذ الليلة الأولى من زاوجهما قال لها زوجها بأن عليها ألا تتدخل بسهراته مع رفاقه، وألا تعكر مزاجه وهو يتابع مباريات كرة القدم، وبأن نظافة المنزل مقدسة بالنسبة له، وغير وذلك من سلسلة طويلة من القرارات والتعليمات، تلك التعليمات التي لا تقال في بداية الزواج، ولا يجب الخوض فيها لأنها تفاصيل صغيرة لا تستحق عناء النقاش أو الجدل. لم تكن لدى أم لوند أي تعليق على قرارات زوجها، لكنها كانت تقول في قرارة نفسها هل لأنها أنثى عليها أن تنفذ هذه المطالب دونما اعتراض أم تقاليد المجتمع ونمطيته السائدة تجعل الرجل يفرض ويصدر فرماناته دونما الالتفاف لمشاعر الأنثى، التي من المفترض بأنها تشاركه في كل شيء حتى في ممارسة هواياته وطقوسه.
تسرد أم لوند جملة من الأمور كانت تعكر مزاجها في البيت لا بل تفقدها صوابها في الكثير من الأحيان فتقول “يعاني زوجي من هوس النظافة والبكتيريا، فمن الإجرام أن يشتم رائحة غير لطيفة في المنزل ومن غير المقبول أيضا أن يلاحظ قطعة من الأوساخ مرمية هنا أو هناك، كان يؤكد عليّ مرارًا وتكرارًا غسل يدي بالماء والصابون ولا يجب أن ألمس شعرى أو أقوم بحك وجهي أو أنفي، فحينها كانت تقوم الدنيا على رأسي، ناهيك عن نعتي بصفات وألفاظ أخجل قولها الآن”
تتساءل أم لوند هل لأنها أنثى يجب عليها لوحدها فقط الاهتمام بالنظافة، وهل لأنها أنثى عليها أن تكون الامرأة الخارقة وعليها أن تهتم بأدق التفاصيل وتكون حريصة كل الحرص بعدم انزعاج لزوجها لأي سبب كان مهما كان صغيرًا؟ هل المرأة هي وحدها المسؤولة عن نظافة بيتها؟ أم لأنها امرأة فتكون هي فقط المذنبة؟
أربع سنوات عجاف قضتها أم لوند وهي تخوض أشرس معاركها النمطية بين حيطان بيتها، أربع سنوات مضت وهي تعاني الأمرين من تصرفات زوجها الغريبة ومزاجه المفرط الذي لا يطاق، أربع سنوات من العذاب وليال الخصام الطويلة والحرد قضتها أم لوند في منزل والدها، لكنها أخيرًا وبعدما رزقت بطفل، تقرر الانفصال.

هل “للمطلقة” الحق في تربية أطفالها أم للمجتمع رأي آخر؟
“منذ أن قررت الانفصال عن زوجي لم يبقى أمام أسرتي سوى الرضوخ لمطلبي والقبول به، لكنهم اشترطوا عليّ التخلي عن تربية ابني الوحيد، وقالوا إنه من صلب زوجي ولا نريده ولا حتى رؤيته وتربيته”، وبحسب العائلة ليس من حقها أن تقوم ابنتهم بتربية ابنها كونها هي التي طلبت الطلاق والانفصال. هنا تطرح أم لوند مجموعة من الأسئلة وتقول: “من الذي زرع في مجتمعنا ذلك المفهوم الذي يحرم المرأة من حقوق تربية أولادها ما بعد الطلاق؟ ومن الذي نشر مفهوم عائلة الفتاة المطلقة لا تربي أطفالها لأنهم من صلب زوجها الذي طلقها؟ أليست النتيجة واحدة في حال طلاق أحد الزوجين أو وفاتهما، ففي كلتا الحالتين ينفصل الطرفان عن بعضهما البعض؟ دعونا نفرض بأن زوجي قد توفي، حينها هل ستقول عائلتي بأنه ليس من حقي تربية الأطفال أيضًا؟ لماذا الأحكام القديمة والنمطية المسبقة تحكم على الفراق بين الأم وأطفالها؟”
في ظل هذا الصراع الطويل تقف أم لوند حائرة بائسة، فقد وصلت إلى نقطة اللاعودة لكنها أيضًا عليها الاختيار إما المضي قدمًا في إجراءات الطلاق أو أن تتخلى نهائيًا عن طفلها الوحيد، فالقرار هنا بالنسبة إليها في غاية الصعوبة، خاصة مع المعضلات الكثيرة التي تجدها أمامها في مجتمع نمطي يرى مفهوم الطلاق في إطار ضيق ووحيد.
الخلاصة: هل تسري القواعد والأعراف والنمطية على الأنثى فقط دونما الرجل؟ لماذا لا ينظر المجتمع إلى المرأة المطلقة بنفس النظرة والأحكام المسبقة إلى الرجل المطلق؟ هل يتعامل المجتمع بنفس السوية من الاحترام والأحقية بالانفصال، لكل من الرجل والأنثى؟ أليس للرجل والأنثى حقوق وواجبات لا يحق لكلاهما حرمان الآخر منه، إلى متى سيكتفي المجتمع بالاعتماد على القوالب الجاهز والنمطية القديمة واعتماده قوانين واعراف يحكم من خلالها بالحكم على المرأة وحرمانها من أبسط حقوقها وبالمقابل لا ينال الرجل وكونه ذكر أي ضرر من تلك الصورة النمطية، فالطلاق طلاق وهو أبغض الحلال على الطرفين معًا.
إلى متى سيلقي المجتمع اللوم وكل اللوم على المرأة وبأنها منبع المشاكل، وعليها وحدها فقط الصبر على الرجل وتحمله والسهر على راحته وتنفيذ رغباته وملذاته؟ وإلى متى سيبقى المجتمع محتفظا بنظرته الدونية القاصرة للأنثى التي بمقدورها أن تهز عروش السلاطين بيمينها فقط..

حسن قوشو كاتب صحفي

الصورة تعبيرية من النت

By admin-z