شفان إبراهيم

لا رفق بالنساء في هذه البلاد، إيذاءٌ وتشهير، إساءة وقسوة، إكراهٌ وشدة بالتعامل في مختلف المستويات والمواضيع. ثمة صورة نمطية وكأن الأنثى هي فقط “الصديقة الخاصة-“Girlfriend، أما ما دونها فإن التصرف الأكثر رواجاً من مختلف شرائح المجتمع الذكوري تأتي تقزيماً ونفياً وخنقاً للحياة النفسية والاجتماعية وتأثيرها على الجانب العقلي والسلوكي والفيزيولوجي. يكفي أيَّ صحفي، كاتب، باحث، أو حتّى من لا علاقة له بالشأن العام، يكفيه أن يجلس ساعة واحدة فقط، في إحدى المقاهي المنتشرة في القامشلي مثالاً، ليسمع حجم الكلام المعسول الجميل، المنعش للعقول والفكر الدائم للنسوية وحقوق النساء، لدرجة يُخال للجالس هناك أن قامشلو تحولت إلى قلعة حقوق النساء العالمية.

ويصدف أن تسمع صوت الرجل نفسه مع زوجته، أخته، والدته، أو حتّى جارته المسّنة، ليتوضح حجم النفاق والتناقض والرياء في المواقف والتصرف حيال الأخر المختلف جندرياً، حيث العنف المركب والمنتشر في كافة مرافق حياة المرأة، وأولها العنف الأسري القائم على عدة أسباب في مجملها تكون المرأة هي الحلقة الأضعف في كافة المواضيع، وتتعرض لمختلف أنواع العنف كالمادي وحرمانها من حصتها في الميراث من قبل أخوتها، أو اللفظي حيث الألفاظ المخدشة لنفسها وحيواتها، وربما أمكن القول، وفقاً للعديد من المنظمات النسوية أن أعدادً كبيرة من النساء في القامشلي يتعرضن لهذا النوع من العنف بشكل شبه يومي، وهو ما أكدته بعض مراكز الدعم النفسي حول الأعداد الكبيرة للنساء اللواتي يرغبن بجلسات الدعم النفسي نتيجة تعرضهن للعنف.

وثانيتها: العنف الجسدي ما بين الضرب بأشكاله المختلفة، ولا يجوز القول أن العنف الجسدي هو النوع الظاهر على جسد الضحية من أثار الكدمات، والتغاضي عن باقي الأثار، بل أن كل مهاجمة للمرأة هو عنف بغض النظر هل كانت الأذية كبيرة أو لا أو غير موجودة، وكما قالت إحداهن ذات مرة “هل ينتظر هذا المجتمع أن تموت المرأة من الضرب حتّى يتدخلوا ويصفونه بالعنف”.

وثالث أنواع العنف الممارس ضد المرأة هو العنف القائم على النوع الاجتماعي، حيث النظرة الدونية من المجتمع لها، وخاصة التنمر والاستهزاء بها، وعدم الانتباه إلى مشاعر البؤس والحزن المتضخمة والتي تؤدي في بعض الأحيان للانتحار. والاستهزاء بقيمة المرأة ووجودها ودورها الذي تقوم به، وتحقيرها ونعتها بالأوصاف السيئة التي تخدش مشاعرها وتلحق بها أضراراً نفسية جسيمة، مما يمنعها من ممارسة ما تحب وما تريد.

واسوأ مغذي لهذا النوع من العنف هي العادات والتقاليد التي تؤجج وتشجع للعنف في مثل هذه الحالات، خاصة وأن الفكرة المهينة والمشينة والمسيئة لكرامة المرأة، فكرة أنها وعاء للإنجاب، لا تزال موجودة لدى شرائح مجتمعية عديدة في الفضاء العام، أو إن وظيفتها الاهتمام بالأطفال والعمل في المطبخ، وهي أكثر الأفكار المثبطة لنفسية واندفاع المرأة للعمل والإبداع، وتشترك عائلة الزوجة في هذه الفكرة إضافة للمرض الاجتماعي الذي يكبل المجتمع. بمعنى أن الأب والأم كلاهما يشجعان الأبنة على طاعة الزوج وتخويفها من عودتها لمنزل والدها “حردانة-مطلقة”-سيعني نهايتها والعار الذي ستجلبه للعائلة.

أما العنف الرابع ضد المرأة فهو العنف الجنسي بأشكاله المختلفة من تحرش جنسي لفظي في العمل، الأماكن العامة، السرافيس، إلى فرض ممارسة الجنس على الزوجة، والأسوأ ربط الجنس بالحب الكاذب. وخامس أشكال العنف، هو الأكثر رواجاً حتى بعد مضي أكثر من /11/ عاماً على الحدث السوري، والذي يتوجب أن يكون كفيلاً بتغيير العقليات والنمطيات والنظرة الدونية لإمكانية عمل المرأة في مختلف الميادين، خاصة السياسية، وحرمان المرأة من إبداء رأيها بالأمور السياسية في المنزل خاصة لطلبة المدارس والجامعات على أساس إنهم أقل شأناً ولا يفهمون هذه الأمور، ومنع مشاركة المرأة في صناعة القرار السياسي وحرمانها من الوصول إلى مناصب رفيعة أو قيادية في الأحزاب وهياكل الحكم المحلية، والاكتفاء بالاستفادة الشكلية من تواجدها كواجهة إعلامية لا غير.

وسادس أنواع العنف الممارس ضد المرأة هو العنف الديني: من حيث إجبار المرأة على القيام ببعض الامور التي لا ترغب بها، كإلزامها بالحجاب، أو منعها منه، أو إلزام القاصرات على الزواج، أو إلزام المرأة العاملة بالتبرع بنسبة معينة من رابتها لأخيها أو أبيها أو زوجها.

أهم الحلول التي يُمكن توفيرها للحد ولو بنسب متفاوتة من تعنيف النساء:
1-المصادقة على اتفاقية القضاء على جميع أشكال العنف ضد المرأة، شرط وجود نواظم قانونية واضحة يعاقب كل من يمارس أي نوع من العنف ضد المرأة، بل تعويض النساء المعنفات على حساب الجاني، وتطبيق تدابير قانونية ووقائية لمنع تكرار العنف، كأن تتكرر العقوبة بشكل أقسى وهكذا.
2-إضافة مواد للمناهج التعليمية لتعديل سلوكيات الذكور الناقمين على المرأة، ونشر ثقافة المساواة بين الجنسين، ونشر الوعي بين الأفراد حول مخاطر العادات والتقاليد التي تضر وتتسبب بالأذية على المرأة.
3 – اهتمام خاص بالنساء في الأرياف، من حيث حقوقها في التعليم والإرث والانضمام للمنظمات الجماهيرية والأحزاب السياسية، وزيارة المنظمات المعنية بالجانب النفسي للأرياف والاستماع لتجارب النساء اللّواتي تعرّضن للعنف، والاستجابة لاحتياجاتهنّ، ومنع الزواج المبكر.
4-تأمين الوظائف والعمل للمرأة لتأمين قدرتها على كسب المال.

كما على الأسرة نفسها أن تبدأ أولاً بكل الخطوات المطلوبة لحماية المرأة من العنف؛ كونها النواة الرئيسية التي يقوم عليها المجتمع، مثلاً: أهمية زيادة وعي الأسرة بأهمية القضاء على العنف، والمساواة بين الرجل والمرأة في القيام بالأعمال المنزلية، واحترام رأي الزوجة عند اختلاف الآراء، التعاون مع الجهات التعليمية لتوفير بيئة تربوية تعليمية آمنة وتشجيع المرأة على الدراسات العليا ومواجهة الأعراف والتقاليد البالية في المجتمع، وهو ما يعني التحول الاجتماعي من خلال توفير تكافؤ الفرص في الحصول على التعليم الجيد، وضرورة توفير دروس خاصة حول العنف ضد المرأة وتطبيقها من قبل الأسرة.

كما يتوجب على بيئة العمل توفير شروط وطرق خاصة للحد من العنف ضد المرأة في العمل، مثل تشجيع برامج مكافحة العنف ضد المرأة داخل العمل، وتشجيع المرأة على تقديم البلاغات ضد المتحرشين وحمايتهم اجتماعياً، وتوفير فرص المساواة في المناصب خاصة القيادية، المساواة في الإجراءات المسلكية والعقوبات بين الطرفين…إلخ.

لو طبق كل رجلٌ نصف ما يتحدث به لصديقته من مساواة وعشقه لحقوق المرأة، ضمن منزله أيضاً، كما يتظاهر بها في المقاهي وأمام النساء، لكان المجتمع في القامشلي يضاهي المجتمعات المتحضرة في تعاملها مع النساء.

شفان إبراهيم : كاتب صحفي وباحث مقيم بالقامشلي

الصورة تعبيرية من النت

By admin-z