شيرا اوسي

حقوق المرأة في المجتمعات الشرقية وعدم مساواتها بالرجل، موضوعُ دراساتٍ عديدة، فلدى تداول قضايا حقوق المرأة، وتحديداً فيما يتعلق بحقها كوارثة أهلية من العائلة أو من بيت الزوجية، تظهر ضدها ذهنية إقصائية مُقولبة بالعرف الاجتماعي أو الأسري، والأصح هو العرف الذكوري المبني على القوة وتسليع المرأة وتبعيتها للرجل، حيث تُسلب منها حقوقها المشروعة بطريقة أو بأخرى.
ثمة صورة نمطية متداولة لحق المرأة في الميراث، عند الإقرار بتوزيع الإرث على أفراد العائلة، وهنا أيضاً تتعرض المرأة لعملية سلب لحصتها من الملكية العائلية.
يتمتع هذا الموضوع بأهمية قصوى، بسبب تأكيد الأديان والقوانين لهذا الحق، ولمعرفة مدى التهميش والإقصاء الذي تعاني منه المرأة جراء العرف الاجتماعي والعادات التقليدية التي لم تنصف المرأة على مر التاريخ، وجعلتها تعيش واقعاً مأساوياً.

عندما لا يكون المألوف مألوفاً.. العرف “الذكوري” يسلب ميراث المرأة:
يُسلب حق المرأة من ميراث الأب بحجج ومفاهيم مُتخلفة، ويحدث ذلك في معظم المناطق الريفية، وفي المدينة أيضاً، حيث شاهدتُ حالاتٍ وممارسات عديدة، حول كيف يتم توزيع ميراث الأب أو الزوجة في العائلة بين الأخوة الذكور، بينما تُحرم الأخوات الإناث من حقهن في الميراث، فضلاً عن حرمان المرأة من ميراث زوجها، ففي إحدى قرى ناحية “راجو” التابعة لمدينة عفرين، كنت شاهدةً على خلاف حصل في عائلة بين الأخوة وأخواتهم، بعد وفاة الأب في عام 2016، حيث كانت والدتهم تطالب بعدم ترك بناتها دون نصيب من إرث الأب، وما طلبته الأم لم تكن سوى فُتات من حصتهن المشروعة، الأمر الذي قوبل برفض مطلق، وبعد عدة محاولات فشلت الوالدة في إقناع أبنائها الذكور، فقالت: “يا ربي لما خلقتهُن، طالما الحال هكذا”.
تعكسُ تلك المقولة مدى المظلومية الممارسة بحق المرأة، مسلوبة الحقوق، لدرجة أن تطلب من الله بأن لا تُخلِقهَن ضمن هذا الواقع.
تنتهك وتسلب حقوقها، وتخضع للواقع، حيث لا شيء ينبع من نفسها جراء الثقافة القمعية التي تمارس عليها، ويترك ذلك أثرًا بالغًا على حالتها الروحية والنفسية، ومع مرور الزمن تفقد حياتها ككائن بشري لها روح وعقل.

الرغبة أو مجرد التفكير بإبداء الرأي يقابله العنف:
يُلفتُ انتباه المرء عندما يدرس ويرى واقع المرأة بكل أبعاده، مدى فظاعة مفهوم الرجولة الكامنة في هيئة بشر وبمضمون لا إنساني، إذ لا يمتلك أدنى درجات العدالة لدى مقاربته للمرأة كإنسانة لها حقوق ورأي وحرية التفكير والتعبير.
أثناء زيارتي لبيت أحد الأصدقاء في مدينة القامشلي عام 2019، وهو من أصول عربية، رأيته مهموماً وكأن مآسي الدنيا كلها وقعت على كاهله، ولدى رؤيته لي بدأ يشتكي جراء مطالبة أخواته الإناث بحصتهن من تركة والدهم المتوفي، وعندما سألته أين المشكلة، تحولت همومه إلى حالة غضب ونفور منهن، فالمشكلة برأيه أن قوانين الإدارة الذاتية تقف معهن، وبدأ يكرر بحسرة: “لو لم يكن كذلك”. سألته، ماذا كُنت ستفعل؟ إن لم يكن هناك قوانين تحميهن وتقف معهن.
المرأة ليست لها الحق في المطالبة بالإرث حسب رأيه، وعندما سألته عن السبب، وبنظرات يكمن فيها العنف، أبدى حجج ومفاهيم بالية وعقيمة، تتعلق باندثار ملكية العائلة، عندما تذهب للأنساب والأصهار.
هذه الصورة نابعة من الذهنية الجنسانية الاجتماعية “الذكورية” التي تُخضع المرأة لقوالب صارمة وصورة نمطية تفقدهن لونهن وطابعهن الخاص في الحياة، وتخلق بيئة ينبع منها السواد بكل ما للكلمة من معنى، حيث يُنظر إلى المرأة كآلة للإنجاب وخدمة العائلة، تعمل وفق قوانين العائلة التي تكبر فيها، وقواعد وقيود صارمة حسب أهواء الزوج، وتابعة للرجل طوال حياتها، هذه الصورة النمطية تعزز من حرمان المرأة من الميراث المشروع.

التنازل مكرهةً عن الحقوق:
تضطر المرأة إلى التنازل عن حقها أو عدم المطالبة به، مقابل فُتات من المال كهدية لها، ولأسباب متعلقة بالعادات والتقاليد، وأبعاد ثقافية في البيئة التي تتواجد ضمنها.
فهي تدرك مدى المعاناة التي ستحصل لها جراء اعتراضها على سلب حصتها من الميراث، من استيلاء وسلب، وسيقابله تعرضها للشتيمة المتواصلة والضرب في معظم الأحيان، إلى درجة أنها تصبح منبوذة في الوسط الاجتماعي.
في حين تبقى المرأة التي لا تطالب بحصتها من الميراث أسوةً بباقي أبناء العائلة الذكور، مصدر للاعتزاز والفخر، عند العائلة أولاً ومن ثم عند المجتمع ثانياً، حيث يُمدح بهن وبأخلاقهن على أنهن جيدات ومطيعات، فيقومون بطلب إحداهن على الفور لتزويج أحد أبنائهم من إحداهن، هذا ما يحصل في مجتمعاتنا.
في إحدى المرات عند مشاركتي في أحد النقاشات بين زملاء في كلية الحقوق، في عام 2011، دار الحديث عن انفصال إحدى الطالبات عن خطبيها، بسبب مطالبة الفتاة لأخيها بحصة من ميراث الأسرة، هذا السبب في أغلب الأحيان بالنسبة للمخطوبات، يعرضهن للإهانة وتفسخ الخطوبة، لكونها حسب المنطق الذكوري تجاوزت حدودها وتتحدى العائلة لمجرد أنها كانت مخطوبة.
أمام الواقع المأساوي للمرأة، لا يمكن الحديث في هكذا أوساط اجتماعية عن وجود كيان تسمى بالمرأة الإنسانة التي لها حقوق في هذه الحياة، وأن تحيا وفق مشيئتها، ولها إرادة.
أولى الخطوات على درب إحداث تغيير مجرى الصورة النمطية المفروضة على المرأة، يبدأ بحدوث ثورة ذهنية مجتمعة تكون قادرة على تغيير المفاهيم والقوالب الصارمة التي تشوه الحياة، وفكرة المرأة الخاضعة لديكتاتورية الذكورية، وتجعلها تُعجن ضمن ثقافة أحادية ظالمة وإقصائية بكل أبعادها، إذ أن الحياة ضمن هذه الثقافة غير سليمة وليست صحية.

صون حقوق المرأة من خلال تعزيز المفاهيم الجندرية:
استناداً على ما تمَّ ذكره، يجب العمل على خلق وعي مجتمعي من خلال مختلف النشاطات، وتمتين وتعزيز المفاهيم التي تعزز من دور وحضور المرأة في المجتمع، والقبول بالتنوع والاختلاف، وأبرز تلك المفاهيم هو “الجندر”، بغية الوصول إلى الحالة الطبيعية السليمة.
ولدى وصول المجتمع إلى تحقيق الهوية الجندرية القائمة على وجود مختلف، لا نمطي أحادي، ومعززة لفاعلية المرأة وفق خصوصيتها، حينها لا تبقى مشاكل تتعلق بحقوق المرأة واضطهادها، ما دام القبول بالجنس الآخر حقيقة تعاش في الوسط الاجتماعي.
لذلك المسؤولية في هذا المضمار تقع على عاتق الفئة المثقفة المتجاوزة لتقاليد وعادات المجتمع والمتحررة من الذهنية الذكورية، والعمل على إقامة فعاليات ثقافية من محاضرات ودورات توعية، خاصةً عن خطورة إبعاد المرأة عن دورها في الحياة، وحصرها في زاوية المنزل مسلوبة الحقوق والقرار والرأي، وبحيث تكون هذه الفعاليات ذات مضامين تعبر عن التشخيص السليم للحالة الراهنة للمرأة في المجتمعات الشرق الأوسطية، وإنارة طريق الحل لتذليل العقبات.

شيرا اوسي: كاتبة صحفية

الصورة تعبيرية من النت

By admin-z