سولنار محمد

مع افتتاح بطولة كأس العالم لكرّة القدم للعام 2022 في قطر، بتاريخ 20 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، هذا الحدث الكبير الذي ينتظره الجميع كل أربعة أعوام، تزيّنت صفحات وحسابات شخصيّة على وسائل التواصل الاجتماعي، يعود الكثير منها لنساء بأعلام المنتخبات التي يشجعونها/ يشجعنها خلال المونديال، ولكن قبل أيام قليلة من انطلاق المونديال، اجتاحت موجة “نِكات” على وسائل التواصل الاجتماعي، تحت عنوان “نصائح هامة للنساء قبل كأس العالم”، والتي يذكر فيها ناشروها عدّة أمور لا يجب على النساء فعلها خلال فترة المونديال على نحو “لا تسألن ما هو التسلل” و”فكّري ألف مرة قبل أن تشجعي منتخب غير منتخب زوجك، أو خطيبك وإلا اعتبري العلاقة انتهت”.

هذه النصائح جاءت كاستهزاء بالنساء محاطٌ بإطار النّكتة، بينما في الحقيقة هي تكريسٌ للصورة النمطية الشائعة حول عدم معرفة النساء بكرة القدم، في الوقت الذي أثبتت فيه النساء أنفسهن في هذه اللعبة سواء كحكمات أو لاعبات أو حتى متابعات. فالحُكم المسبق على المستوى المعرفي للنساء، فيما يتعلق بكرة القدم، قائم على النوع الاجتماعي لا على القدرة المعرفية لديهن.

في المباراة التي جمعت نادييْ ريال مدريد الإسباني وسلتيك الاسكتلندي بالجولة الختامية لمنافسات المجموعة السادسة من دوري أبطال أوروبا للموسم الحالي، أدارت المباراة الحكمة الدولية ستيفاني فرابارت، الحاصلة على الشّارة الدّولية من الفيفا منذ العام 2011، وتعتبر أول امرأةٍ تحكم في مباراة أوروبية كبرى للرجال، عندما تولت قيادة كأس السوبر الأوروبي لعام 2019 بين ليفربول و‌تشيلسي، وعلى الرغم من تحكّم “فرابارت” بمجريات المباراة، إلا أنها لم تسلم من خطاب كراهية واستخفاف بقدرتها في التّحكيم من قِبل المتابعين على الصفحات العامة وخاصّةً الرياضية منها، لا سيما بعد أن منحت ثلاث ضربات جزاء صحيحة بالمباراة آنذاك، بحسب خبراء التحكيم لقناة بي إن سبورت الرياضية.

في المقابل، هنال العشرات من الأخطاء التحكيمية التي يرتكبها الحكام الرجال، ولكن لا يتم التهجم عليهم على أساس النوع الاجتماعي، على عكس الحكمات النساء، فمن بعض التعليقات التي جاءت على صورة “فرابارت” بإحدى الصفحات الرياضية على الفيس بوك كانت، “ياخي الحكم لازم يكون رجل شو بيتفزلكوووو..اليوم صفرت عشر حالات غلط”، وآخر كتب “مفكرة إذا ما كان الهدف ضربة جزاء ما بينحسب”، وراح آخر يقول ” وتظن أن المباراة بحاجة إلى ضر بات الجزاء كطبخة ينقصها القليل من الملح أو وجبة غسيل ينقصها القليل من البرسيل”، في حين قلة من المتابعين علقوا بتعليقات أثنوا على أداء “فرابارت” للمباراة، على نحو “صارمة وجريئة وجدية”، “وقوة شخصية هائلة”، و”ضربات جزاء صحيحة”.

بمونديال قطر 22 لكرة القدم، وفي سابقة كروية هي الأولى من نوعها أثبت التحكيم النسائي وجوده بمشاركة ثلاث سيدات كحكمات للساحة ضمن 36 حكم وحكمة اختارهم الاتحاد الدولي لكرة القدم الفيفا، وثلاث سيدات أخريات كحكمات مساعدات، وستكون الخطوة الأولى لإبراز التمثيل النسائي في كأس العالم المحفل الكروي الكبير، بعد عقود من الاحتكار لصالح الحكام الرجال، وذلك بعد أن أسند الاتحاد الدولي لكرة القدم “الفيفا” إلى”فرابارت” إدارة مبارة المانيا وكوستريكا، وتعاونها البرازيلية نيوزا باك كحكمة مساعدة أولى، والمكسيكية كارين دياز كمساعدة ثانية لها في المباراة، (غداً الخميس )،وبذلك يكون أول طاقم نسائي يدرن مباراة كرة قدم للرجال في المونديال.

ولا ينحصر توجيه خطاب الكراهية على القدّرات التحكيمية النسائية فقط، بمجرد أن ترغب أية فتاة أو سيدة في متابعة كرة القدم والتعليق على مجراها، يضعها الأمر في مرمى التعليقات المسيئة من قبل المتابعين الرجال، على سبيل المثال عند متابعة مباريات كرة القدم على وسائل التواصل الاجتماعي، ولاسيما النقل المباشر لها، تُشاهد الكثير من التعليقات من قبل المتابعين الرجال، ولكن تعليق نسائي واحد كفيل بأن يغيّر وجهة المشاهدين نحوها، وتحولِهم إلى مهاجمين ضدها، ودعوتها لـ”العودة إلى المطبخ لممارسة أعمالها”.
تنميط الرياضة وحكر كرة القدم على الرجال، يدفع بالكثيرات إلى الامتناع عن التعبير عن آرائهن الرياضية، ولو كان ذلك عبر حساباتهن الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي خوفاَ من التعليقات المسيئة وبدلاً عن ذلك، يلجأن إلى المتابعة بصمت، دون إبداء أية ردود فعل على هجمة أو هدف جميل للفريق الذي يشجعنه.

إنّ تعرّض النساء لخطاب الكراهية لا يقتصر على وسائل التواصل الاجتماعي فقط، إنما على الأرض أيضاً، فعندما تقرر أيّة فتاة في مجتمع يتّسم بالذكوريّة، ممارسة أو متابعة اللعبة الرياضية التي تروق لها، تتعرض لسيلٍ من التنمر وخطاب الكراهية من الشارع، أو حتى ضمن النطاق الاجتماعي التي تعيش فيه، ومن الأشخاص الذين يرون أنفسهم أوصياء على كرة القدم، وأن متابعة أو تشجيع أو ممارسة أي فتاة لكرة القدم، يعتبر ذلك تعدياً على هذه اللعبة.

فهل سيكون مونديال قطر 22 بوابة لتحقيق ولو جزء من المساواة بين الجنسين في لعبة كرة القدم؟ وهل سيكون الحُكم على القدرات التحكيمية النسائية على أساس الجنس مرة أخرى أم لا؟

سولنار محمد : كاتبة صحفية

الصورة من النت

By admin-z