“أصبح اللاجئون السوريون هدفاً لخطاب الكراهية، الذي يهدف إلى تشويه صورتهم وتجريدهم من حقوقهم وكرامتهم، ويستغل بعض الأفراد أو الجماعات المناهضة للاجئين السوريين أي حادثة أو موقف لنشر العنصرية والتحريض ضدهم في بلدان اللجوء”.
مقالة للكاتب والصحفي خضر الجاسم

تُنشر شبكة الصحفيين الكرد السوريين هذه المادة ضمن مشروع “المرآة”، حول “حقوق الإنسان والحريات العامة”.

حمل اللاجئون السوريون في نزوحهم من سوريا فتات أحلامهم المتناثرة في طريقهم بعيدًا عن أرواحهم المنكوبة بالحرب نحو البلاد المجاورة، حيث هي هناك أشد وطأة وقسوة مما يلاقونه من مرارة الاستقطاب وخطاب الكراهية في البلدان المضيفة.

تعبّر القصص المروّعة التي تُروى عن معاناة اللاجئين السوريين عن عدة أشكال وصور تُظهر الاستهداف والتمييز والعنصرية التي يتعرضون لها، وينشب جدل بين المسؤولين الحكوميين وفي وسائل الإعلام حول مستقبلهم وضرورة إعادتهم إلى بلادهم بأسرع ما يمكن.

أصبح اللاجئون السوريون هدفاً لخطاب الكراهية، الذي يهدف إلى تشويه صورتهم وتجريدهم من حقوقهم وكرامتهم، ويستغل بعض الأفراد أو الجماعات المناهضة للاجئين السوريين أي حادثة أو موقف لنشر العنصرية والتحريض ضدهم في بلدان اللجوء.

وتساهم وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي في تضخيم هذا الخطاب ونشره في المجتمع، حتى لو كان سببه بسيطًا أو غير مؤثر على المصلحة العامة. وبذلك، يصبح اللاجئون السوريون ضحايا للتحامل والظلم والعزلة في المجتمعات التي يسعون إلى الاندماج فيها.
 
سارقو أموالنا وأحلامنا
أُثير كثير من اللغط إثر تبعات الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا وتركيا، وفيما يبدو أنه خطاب كراهية مقيت، أشيع عن السوريين مواقف غير حقيقية أبداً. اتهم اللاجئون السوريون بنبش الأنقاض للحصول على ما تناله أيديهم من كنوز مدفونة تحت الركام. كما كانت هناك ادعاءات بإخفاء السوريين آلاف الدولارات في متاعهم فيما يشبه الدليل الحاسم على عدم حاجتهم لأي نوع من المساعدات إطلاقاً.

ورُوج الكثير من الشائعات أن اللاجئين السوريين يحظون بمعاملة مختلفة عن السكان الأصليين من السلطات، وكل ما يثار عن حاجتهم وبؤسهم مجرد كذبة صفراء عارية عن الصحة، فتزداد الصورة قتامة حين تشن على السوريين حرباً لا هوادة فيها بأنهم محور مشكلات تحدث في البلدان المضيفة وكل ما تعانيه من أزمات داخلية للاجئين السوريين حظ فيه، وهكذا دون شعور أخلاقي ترتفع حدة المطالبات بترحيلهم كما يحدث الآن بشكل تعسفي في لبنان والأردن وتركيا.

لا ينفك اللاجئون السوريون الحديث عن تجاربهم باستهزاء ظريف والمتعلقة بالتمييز، سواء على وسائل التواصل الاجتماعي أو في المحادثات الخاصة على تطبيقات مثل ”واتس آب“ و”تلغرام“، فالعديد من القصص تروى عن تعرضهم إلى أكثر من ذلك مثل الضرب والاعتقال.

إن كل ما يثار حول الأزمات التي تعانيها هذه الدول ما هي إلا علكة يمضغها الساسة للإخفاء قصورهم السياسي لا أكثر، وأن الواقع الاقتصادي لهذه الدول هو امتداد بياني للخط السياسي ومتواز له، وقد أثير في خطاب ينم عن كراهية حديث قاس أن السكان الأصليين يعتقدون أن اللاجئين السوريين يحصلون على وظائف ورواتب أفضل، وأنهم يسرقون أحلامهم في بلادهم، ويتناسون أن بلادهم تحصل على تعويضات مرتفعة لقاء بقائهم هناك.
 
بيضة القبان
اللاجئون السوريون في خطاب كراهية هم عبارة عن كرة يتقاذفها السياسيون لصناعة الترند، والحصول على مضغة من السكر من المنظمات الدولية، على العكس من هذا لم يتلقوا معاملة عادلة تخفف من وطأة اللجوء. سيان أن تكون المرارة والألم في بلدك وبلد آخر. لا شيء يختلف سوى أن يصوب عليهم شتى الألفاظ المهينة والمسيئة بشكل متكرر ما يساهم في تشويه صورتهم والإضرار بكرامتهم الإنسانية.

وكلما أراد سياسي أو حزبي أو مسؤول تعليق فشله في استحقاقه الوظيفي يرمي به إلى اللاجئين السوريين، على نحو ما أعلن وزير الخارجية وشؤون المغتربين الأردني أيمن الصفدي أن المملكة لن تستطيع استقبال المزيد من اللاجئين. بالمثل، أكدت حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، بقيادة نجيب ميقاتي، أنها مشغولة بالتعامل مع موجات جديدة من اللاجئين السوريين. وأكدت تركيا على ضرورة تسهيل العودة الطوعية للاجئين، كما ذكر وزير خارجيتها، وكان السوريون في ذروة الانتخابات التركية قد أشعلوا التجاذبات السياسية في تركيا فيما يبدو أنهم بيضة القبان، فريق يعول عليهم في نجاحه وفريق يرمي سيل مهازله بخسارته عليهم، والحقيقة أنهم بعد احتراق ورقتهم هذه، يطالب الفريقان بعودتهم خالي الوفاض.
 
البعبع السوري
يصنف اللاجئون السوريون في الدول المضيفة بمرتبة أدنى، وفي أحسن الأحوال يتلقون بعض الخدمات بخلاف السكان الأصليين، في حين أن الحقوق واجبة ويكفلها القانون الدولي، ويتم الترويج لخطاب الكراهية ضد اللاجئين السوريين على نحو غريب الأطوار، ففي كل الأساطير والأقاصيص القديمة هناك شخصية شريرة يدور حولها الخوف والذعر من هؤلاء الغامضين، ويخوف السكان الأصليين من اللاجئين السوريين، ويتهمون بارتكاب أشياء مروعة لم يرتكبوها أصلاً، وتساق سرديات الحبكة في ختام القصة لضرورة ترحيلهم ما يؤثر على حالة اندماجهم في مجتمعهم. وقد بدأت تتكون في لا وعي السكان الأصليين أنه الآن الأوان كي يعودون لحياتهم الطبيعية الني أحال بهجتها كمداً السوريون فقط.

وأشيع مؤخراً على الهواتف النقالة لعبة ”الظفر للسياحة“(Zafer Tourism)، والتي ارتبطت بحملة انتخابية لـ”حزب الظفر” تحت نفس العنوان، هدفها جمع التبرعات لـ ”شراء تذاكر السفر للاجئين السوريين لكي يستقلوا الحافلات ويعودوا إلى بلادهم“. اللعبة أنتجتها شركة التطوير التركية Gacrux Game Studio، والتي لم يُعرف ما إذا كانت مرتبطة بالحزب أم لا، فيما يبدو أنه استقطاب يحث على الكراهية، وكان على اللاعب في اللعبة أن يقبض على اللاجئين الذين يحاولون عبور الحدود ويرميهم في شاحنات تقوم بنقلهم في الاتجاه المعاكس. ولكن، بسبب الانتقادات الشديدة، اختفت اللعبة فيما بعد من متجر “Google Play”، على الرغم من أنها ما زالت متوفرة في متاجر أخرى.

ربما قد سُدّت الأبواب أمام اللاجئين السوريين؛ فقدم على أمل بعيد وقدم على الألم. ويُصوب إليهم خطاب لا يمت للإنسانية بصلة إطلاقاً، ويتم تحميلهم مسؤولية الأزمات الاقتصادية والسياسية؛ فيتعرضون للإساءة والاعتقال وتشويه صورتهم في وسائل الإعلام. اللاجئون السوريون هم ضحايا للظروف التي تجبرهم على ترك بلادهم، ويستحقون الاحترام والكرامة كأي إنسان آخر؛ فاللاجئون ليسوا مشكلة يجب حلها، بل هم إنسانية تستحق حياة أفضل.
 

By admin-z