زيلان خليل علي

إننا هنا إن سمعنا لفظة العدالة، سرعان ما يتبادر إلى مخيلتنا قاضٍ عجوز برداءٍ أسود باهت، وبيده مطرقة يضرب بها على الطاولة ويقول “محكمة”، أو شرطي لجهة أمنية يعتقل شخصاً ما أو حتى يقف في الشارع، وربما يتراءى إلى مخيلة كثيرين تمثالٌ لامرأة ما تحمل ميزاناً وعيناها مغطاتان بقطعة قماش”

تُنشر هذه المادة بالتعاون بين شبكة الصحفيين الكُرد السوريين (SKJN) ومجلة صور وشبكة آسو الإخبارية، وذلك في برنامج تعاون ضمن مشروع “المرآة”، حول “حقوق الإنسان والحريات العامة”.

“لا يمكن أن تكون العدالة لطرف واحد وإنما لطرفين، العدالة هي الضمير وليست ضميرك الشخصي وإنما ضمير العالم أجمع، ليس من العدل أن تطلب من الآخرين ما لست مستعداً لفعله، العدالة المتطرفة في كثير من الأحيان ظلم”.

هذه مقولات عن العدالة ترددت على مسامعنا مراراً، حفظناها ولقناها في المدارس منذ المرحلة الابتدائية، أما أنا فأقول “لا توجد عدالة مطلقة على هذه الأرض، لأننا خلقنا غير متكافئين منذ لحظة الولادة الأولى، لكن ذلك لا ينفي أن تكون هناك فرص متساوية للجميع، وهي خطوةً لا تتعارض مع القدر، لكي يُثبت عكس ذلك”.

إننا هنا إن سمعنا لفظة العدالة، سرعان ما يتبادر إلى مخيلتنا قاضٍ عجوز برداءٍ أسود باهت، وبيده مطرقة يضرب بها على الطاولة ويقول “محكمة”، أو شرطي لجهة أمنية يعتقل شخصاً ما أو حتى يقف في الشارع، وربما يتراءى إلى مخيلة كثيرين تمثالٌ لامرأة ما تحمل ميزاناً وعيناها مغطاتان بقطعة قماش، رغم أني لا أرى الكثير من القاضيات في سوريا أو العالم، بل يكدن يكن نادرات؛ بذريعة أن المرأة تحكم بعاطفتها أكثر من عقلها، لكنني هنا لن أظلم التمثال أو الرمز الذي ذكرته آنفاً، فهو جميل.

كما ترى عزيزي القارئ أنني لم أبخس من السطور الأولى لهذه المقالة العدالة حقها فقط، بل سحبت ونفيت وجود ما تسمى عدالة حتى في الدول التي تدعي أنها وصلت إلى مراحل متقدمة منها، لذا لا تتوقع أن تجد كلمات منمقة أو مصطنعة، ولا تعتقد أنني سأجاملك وأقول أنك تستطيع فقط لأنك ولدت في هذا العالم ويحق لك ما يحق ولا يحق لغيرك.

لا تظن أنني سأخبرك أنك مميز فالتميز يا عزيزي يحتاج لجهد كبير، وإن كنت تريد العدالة عليك أن تجتثها، وتتوقف عن المطالبة بها على شكل شعارات وأحاديث مسائية بينك وبين أصدقائك وجلسة الجيران والعائلة، عليك أن تمارسها بضميرك وإنسانيتك قبل ذلك أيضاً، وألا تعتقد أنك ولدت وفي فمك ملعقة عدالة من ذهب، فإن كنت ولدت في الشرق الأوسط لا شك أنك ستفهم قصدي جيداً.

لن أطيل الحديث عليك عزيزي وعزيزتي القارئة، لكنني لن أنصحكما بألا تستمعا للإعلام أبداً، لكن لا تضعا كل كلماته في اعتباركما، وذلك لا يمنع من أن تطلع على الوضع عن طريقه، كالواقع الميداني والأحداث التي تجري حول العالم، وأن تقرأ الجريدة مع فنجان قهوة أو حتى موقعاً الكترونياً.

ولكن قبل ذلك، تأكد من أنكما تعلمان من يمول هذه الوسيلة الإعلامية، لكي تعرف سياستها مُسبقاً، وتعرفا هل هذه الوسيلة تطالب بحقوقكما كإنسان أولاً؟ أم إنها يا تُرى تستخدم لكي تروج لفكرها وتمرر أجنداتها وأجندات مانحيها ومموليها من خلف السّتار؟

وأنا واثقة أن معظم من سيفعل ذلك سيكتشف أن ٩٩ في المئة من الوسائل الإعلامية تروج لفكر ما عن طريق العمل في الإعلام، لذا علينا أن نبدأ بالعمل على سحب كلمة “حر” من جملة الإعلام الحر؛ لأنه بالمجمل لا يوجد إعلام حُر لا تقيده سياسة نشر وسياسة منطقة وسياسه مانح أو ممول.

لا أريد هنا ان أبخس الإعلام حقه، وخصوصاً السوري، وإني هنا ما عاذ الله أن أقصد الإعلام بشكل عام، فعندما نتحدث عن الإعلام في التسعينات وما قبل ذلك، فإننا نتذكر التلفزيون بالأبيض والأسود، قناة الدنيا والقناة السورية، وإن تحدثنا عن الوكالات فليس لنا إلا سانا، والتي كانت تسير وفقاً للسياسة نوعاً ما، لكنها رغم ذلك عرضت ما كان يقدمه غوار الطوشة الذي كان يمرر رسائل سياسية من خلال مسرحياته.

وربما هذا ساعدنا في أن نتطور من إعلام مسيس صغير يسير تحت أمرة السلطة إلى إعلام مسيس كبير بعد الأزمة السورية، فنحن ورثنا النهج، ولم يبقَ إلا أن نطبقه على أرض الواقع، فباتت كل جماعة أو سلطة ظهرت في عموم البلاد تروج لنفسها عن طريق إعلامها الخاص على أنها المخلّصة والمنقذة، وعرفنا نحن كسوريين أن “الطاسة ضاعت فعلاً”، وهو مثلٌ شعبي يستخدم عندما يضيع شيء وسط المعمعة أو بالأحرى في الفوضى العارمة.

والآن نعود لنسأل أنفسنا، هل يمكن لمثل هذا النوع من الإعلام أن يسهم ولو بمقدار قيد أنملة في تحقيق ما يسمى بمصطلح العدالة الاجتماعية؟ قطعاً لا، لأننا كواقع نحتاج للكثير لكي نستطيع أن نصل إلى هذه المرحلة المتقدمة، فإذا لم يكن للإعلام حق الكلمة فكيف نتوقع أن يكون لدى الناس حقوق عادلة في كل شيء.

عموماً، وكيلا نظلم الإعلام، فقد شاهدنا على شاشات التلفاز مسلسلات سورية كـ”كسر عظم” الذي يروي واقع الشباب السوري، وخاصة خلال الازمة، فضلاً عن أنه طرح العديد من القضايا الأخرى، لكنه يبقى مجرد منفس، أو بالأحرى تخفيفاً عن معاناة الشعب خلال الأزمة، في المقابل فإننا شعبٌ رضع القمع رضاعة وتغلغل في دمنا بطبقة أكثف من الدم نفسه، فقمعت سلطاتنا مسلسلاً آخر يظهر الجانب الذي أخفاه كسر عظم باسم “ابتسم أيها الجنرال”.

ومن هنا عزيزي القارئ ضع ابتسامة على وجهك العابس واضحك بأعلى صوتك، وخاصةً عندما تذكر أمامك لفظة “العدالة الإجتماعية” في بلاد تربت على البرجوازية، تقع ضمن هذه البقعة الجغرافية السوداء من العالم البائس اللعين ومارس العدالة كفرد ثم ابحث عنه كجماعة علّك تجدها آنذاك.

By admin-z