نور الأحمد

“هل هذا الأمر بالفعل حقيقي؟، هل تُقتل النساء عندكم بحجّة المحافظة على شرف العائلة؟ ما علاقة الشرف بحرية النساء الجنسية؟ الخبر الذي قرأتهُ على “تويتر” أمر لا يُصدّق! هل هو صحيح؟!”

هذا ما سألتهُ صديقتي “ستيفاني” المقيمة بإحدى الدول الأوروبية في اتصال هاتفي فيما بيننا، وكان صوتها يرتجف، فهي ناشطة نسوية ومدافعة عن حقوق النساء في بلادها، لكنها تجهل وضع النساء السوريات، لكنها بدأت مؤخراً بالبحث عنه منذ أن أصبحنا صديقتين، تحدثنا لعدة مرات عن هذا الموضوع وعن حقوقنا المسلوبة كنساء في الشرق الأوسط، وسوريا تحديداً.

انتشر خبر مقتل الفتاة الذي قرأته صديقتي الأوروبية بسرعة تجاوزت معرفتي به، تلك الفتاة التي قتلت على يد أخيها في مدينة رأس العين/ سري كانييه المحتّلة، وفي ظل غياب شبه كامل للقانون هناك، قتلها ظناً منه أنها قد ارتكبت “الفاحشة”، وهو ما نفاه الطبيب الشرعي بعد تشريح جثتها، واكتشف أنّها تعاني من تكيّسات في المبايض، الأمر الذي تسبب لها بنفخة بالبطن، وهذا ما جعل (أخاها) يظنّهُ حَملاً “غير شرعي” ليقتلها على إثره.

لم تكن تلك الفتاة هي الأولى التي تُقتل في سوريا بجريمة تحت مسمى “قضايا الشرف” أو “غسل العار”، والتي ورغم وجود قوانين رادعة من بعض السلطات المتعددة في البلاد والتي تُعاقب عليها المجرم، لكن أحياناً، يكون العُرف المجتمعي أكبر من كل قانون.

هل للنساء حق في العيش؟!

قُتلت تلك الفتاة وغيرها الكثيرات، وبحسب سوريون من أجل الحقيقة والعدالة وبالتعاون مع منظمتي “مساواة” و “سارا” لمناهضة العنف في شمال وشرق سوريا، خلال الفترة الزمنية المشمولة بتقرير نشروه العام 2022، فإنّ هناك ما لا يقلّ عن 185 جريمة قتل راح ضحيتها نساء وفتيات بذريعة “الدفاع عن الشرف”، هذا فقط ما تم توثيقه في هذه الفترة.

تلك الأعداد التي ذُكرت في التقرير، والتي يوازيها عادة الأعداد نفسها تقريباً كل عام، إن دلّت على شيء، فهي تدلّ على أنّ أبسط حق من حقوق النساء، والذي ورد بالمادة الثالثة من مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي تنص على أنّ: “لكلِّ فرد الحقُّ في الحياة والحرِّية وفي الأمان على شخصه”، مسلوب من غالبية النساء السوريات، وغيرها الكثير من الحقوق، التي وإذا ما قورنت بما أخذه الرجال، الذي لم يحصل عليها كلها أيضاً، لكن النسبة تبقى غير متساوية إطلاقاً، وهو ما يدعونا للبحث أكثر ليس فقط عن الأسباب وراء ذلك، بل عن حلول لهذه الظاهرة الخطيرة، وينبغي أن نُعيد النظر حول عمل كلّ منّا مهما صغر أو كبر في مكافحة هذا النوع من الظلم فيما بينهم، والبحث عن سبب صمت الجميع عن تلك الجرائم وإعطاء تلك النساء حقوقهنّ كافة، خاصة نحن العاملين/ات بالمجال الإعلامي، وقدرتنا على إيصال معاناة تلك النساء و مساعدتهنّ على تجاوزها.

حالي كفتاة سورية، أعيش في ظل مجتمع يغلب عليه الطابع العشائري يتشابه مع الكثيرات، لكنني وغيري العديد من النساء العاملات بالمجال الإعلامي، وأولئك الإعلاميين الرجال والمؤمنين بحقوق النساء في هذه البلاد، يتوجب علينا أن نكون صوت أنفسنا والأخريات ممن لا صوت لهنّ. بمعنى أدق، أن تعمل/ي في الشأن العام، فهذا يضعنا أمام مسؤولية كبيرة تجاههنّ، وهذا ما لا نراه اليوم في موادنا الاعلامية بشكل كافٍ.

أن نتحدث عن الحقوق لا أن نشن حرباً!
إذا ما أمعنا النظر قليلاً في التغطية الإعلامية السورية ككل وفي شمال شرق سوريا على وجه الخصوص، نجد إجحافاً وتقصيراً واضحاً في المواضيع المتعلقة بحقوق الإنسان والنساء خصوصاً، أي أننا نقصر في معظم الأحيان في المواد الحساسة للنوع الجندري، والتي وإن وجدت، تكون خجولة وجميعها يتحرك في المساحة الآمنة التي يتيحها المجتمع أو الوسائل الإعلامية التي نعمل بها، وهناك هروب متعمد أحياناً من أي صدام معهما ومع المسموح بالتطرق له.

حصر مواضيعنا المتعلقة بالمرأة على قصص نجاحها “وهو أمر ليس بسيء على العموم ” إلا أنه يُظهر نصف الحقيقة فقط، وهو على حساب معاناتهنّ التي تصل في بعض الحالات حد الخطر على حياتهنّ، وهنا ينسحب الإعلام عن وظيفته بنشر الوعي الاجتماعي والدفاع عن حقوق الإنسان تحت ذريعة احترام الثقافات والعادات والتقاليد، فهل نحن فعلاً ندافع عن ثقافتنا بالسكوت عن الظلم، وشيوع الجريمة مثلاً، بحجّة ذلك الاحترام؟!

على الرغم من تطرقي للكثير من المواضيع المتعلقة بالنساء في موادي الإعلامية، لكن مما يجعلني استشيط غضباً في كثير من الأحيان، هو أنني و خلال عملي الإعلامي، وأثناء تواصلي مع العديد من النساء من حولي، اسمع العديد من القصص المتعلقة بهنّ والغائبة عن الإعلام ككل، وأتساءل لماذا هذا التجاهل في التطرق لتلك القصص؟!

من ناحية أخرى أنا مدركة تماماً أنّ هذه المواضيع الحساسة تحتاج إلى حكمة، وأنّ الطرح المباشر القائم على التهجم الدائم قد يعطي أثراً عكسياً، لأن المجتمع سيشعر أن قيمه وعقائده في خطر، ونحن في الواقع لسنا على عداء مع قيم المجتمع أو ثقافته أو تراثه، نحن مع التمسك بما يتفق مع الأخلاق والإنسانية ككل، لكننا نحارب فكرة أن تستمر “جرائم قتل النساء” فقط دون الرجال، أي أننا ضد التعامل المتناقض بين الرجل والمرأة والتفرقة في العقوبة والجزاء على أساس الجنس والسماح لتسلط بعض الذكور على الإناث بغير وجه حق.

وبجميع الأحوال التطرق في موادنا الإعلامية إلى النساء و حقوقهنّ، كأن نحارب ما تُسمى “جرائم الشرف” والتي أفضل تسميتها ” جرائم العار” أو “اللاشرف”، أو عندما نتحدث عن “الدعارة” والإتجار بالنساء مثلاً فإننا بذلك لا ندعو بحال من الأحوال إلى الحرية المطلقة، والإباحية، بل أن نعرض مشاكل النساء والحل إن وُجد، وبذلك نساهم في تعريف النساء بالحقوق اللاتي يمتلكنها وكيفية المدافعة عنها، و أن نحاول على الأقل أن نبقيهنّ على قيد الحياة و نمنع قتلهنّ الذي تُعاقب عليه القوانين في جميع دول العالم و تحرّمه الديانات السماوية التي يؤمن بها غالبية أفراد مجتمعنا الصامت عنه إذا ما تعلق بالنساء.

By admin-z