حسن اسماعيل

غالباً ما يتم تصنيف وسائل الإعلام بأنها السلطة الرابعة في إشارة إلى السلطات الدستورية الثلاث، وهو إشارة إلى عملية تشكيل الرأي العام، وفي التأثير الذي يمكن أن يحدثه الكشف عن هذه الحقائق في مواقف المواطنين. إن الحقائق أو التحليلات أو التعليقات التي تنتجها السلطة الرابعة بمختلف تشعباتها تحدث تأثيراً كبيراً وفي مختلف مجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

يشير الدكتور قدري عبد المجيد مؤلف كتاب “الإعلام وحقوق الأنسان” إلى أهمية تركيز وسائل الإعلام على تغطية قضايا حقوق الإنسان وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان ونشرها، ويلاحظ وجود أربعة أجيال في تاريخ حركة حقوق الإنسان الغربية، ويستخلص مجالين رئيسيين لتداخل وسائل الإعلام مع حقوق الإنسان. وتعد وسائل الإعلام مصدراً رئيساً للمعلومات المتعلقة بقيم وأوضاع وممارسات حقوق الإنسان، وتسهم في الترويج لثقافة حقوق الإنسان ونشرها.

وهنا برز دور نضال نقابات الصحفيين العالمية للحصول على استقلالية هيئات التحرير وتحقيق أعلى درجات استقلالية العمل الصحفي ونزاهته، ومن الامثلة ميثاق ميونيخ الذي اعتمده الاتحاد الأوروبي للصحفيين، والمرجع الأوروبي فيما يتعلق بأخلاقيات الصحافة، وهو النص الذي يميز بين عشرة واجبات وخمسة حقوق، متضمناً مبادئ ميثاق الواجبات المهنية للصحفيين الفرنسيين.

وفي فرنسا، في حالة الاختلاف مع الخط التحريري، يمكن للصحفي نظرياً أن يطلب تطبيق شرط الضمير، الذي تشرف عليه لجنة التحكيم.

يكتسي موضوع الحريات العامة أهمية بالغة، فهي الركيزة الأساسية لكل نظام ديمقراطي تقوم عليه دولة الحق والقانون، وفي مقدمة هذه الحريات حرية التعبير والتي تعتبر من أهم الحقوق التي تضمن رقي المجتمعات وتطورها، ووسائل الإعلام هي المستفيد الرئيس من هذه الحرية الضرورية لممارسة مهنتها.

تشارك الهيئات الإعلامية والصحفيون الاستقصائيون بشكل كامل في حرية المعلومات من خلال السماح بمناقشة الموضوعات المدرجة على جدول أعمال السياسة العامة، وبالتالي كشف قضايا الفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي وقضايا قمع الحريات، والتأكيد هنا يبرز دور وكالات الإعلام العالمية مثل رويترز واسوشتيد بريس وCNN وفوكس نيوز، وسواها.

أما عربياً فمن النماذج المهمة، مركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الانسان، وقد وضعت لبنته الأولى عام 2008 بهدف تعزيز ثقافة حقوق الإنسان والحريات العامة في الدول العربية بشكل خاص، ترأسه سامي الحاج الذي كان معتقلاً في سجن غوانتانامو.

وفي سوريا حدثت بعض الاستثناءات والانفراجات الصغيرة وعلى رأسها مجلة الدومري الكاريكاتورية، و”الدومري” هو اسم جريدة أصدرها الفنان علي فرزات عام 2000 كأول صحيفة خاصة في سوريا منذ عام 1963، إلا أنها أغلقت فيما بعد بقرار من وزير الإعلام الأسبق عدنان عمران رقم 6061 الصادر في 31/7/2003 بحجة “مخالفتها لقانون المطبوعات وبالتالي منع أي مطبعة من طباعة صحيفة الدومري”.

وبحسب ما نشره علي فرزات في صفحته على الفيس بوك بأن الرئيس السوري زار معرضه الفني بالمركز الثقافي الفرنسي، وطلب منه أن يشارك في التطوير الإعلامي وترسيخ حرية التعبير، وهنا كانت فكرة الدومري التي اختار اسمها الكاتب الصحفي لقمان ديركي، كون الدومري هو الاسم الذي كان يطلق على من يضيء الطرقات ليلاً قبل الكهرباء، وأن دور مجلة الدومري سيكون إضاءة مساحات الظلام بسوريا.

خلال هذه الفترة نشطت عدد من المنتديات الاجتماعية والفكرية، ويعتبر ذلك دون شك تغيراً نحو الأفضل وحالة إيجابية تسود المجتمع، ولعل الاسم الأمثل لهذه الفترة هو ربيع دمشق، وبباكورة ما أنتجته المرحلة (منتدى الحوار الديمقراطي بمنزل رياض سيف عام ٢٠٠٠ ومنتدى الأتاسي).

وهنا يمكن الإشارة أيضا إلى الفسحة الصغيرة التي منحت لإحدى المؤسسات الإعلامية، والتي تنطق باسم الحزب الشيوعي السوري الذي أسسه خالد بكداش.

وعلى الصعيد الكردي تميز الإعلام بنمطية الانتماء الحزبي كون النشرات الإعلامية الصادرة كانت صدى لأحزابها وصورة عن سياساتها، ورغم كل هذه السلبية فقد تميزت بأنها الصوت الإعلامي الوحيد للدفاع عن حقوق الشعب الكردي والانتهاكات الممنهجة ضده، ولاسيما في مرحلة ما قبل الإعلام الإلكتروني وانتشار العولمة وشبكات الإنترنت الواسعة. وهنا يمكننا الإشارة أيضا إلى ضعف الشبكات الإعلامية الكردية خاصة قبل ٢٠١١ واعتمادها على مواقع بسيطة مثل “باخرة الكرد” (كميه كردة)، ولاتي مه.

ولكن نتيجة التمويل والانفتاح الذي شهدته المنطقة عقب ٢٠١١ تطورت المؤسسات الإعلامية وأصبحت مؤسساتية، ولاسيما محطات الراديو المحلية والصحف الورقية (إذاعة آرتا – وكالة بوير بريس) وأصبح دورها أكثر فاعلية، ويضاف الى ذلك مجموعة من المؤسسات الإعلامية التابعة للإدارة الذاتية.

أظهرت الاحداث الأخيرة في المنطقة أن وسائل الإعلام البديلة لا تكتفي بأن تكون فقط وسيلة لنقل للمعلومات، ونافذة بسيطة على ما يحدث في العالم. ويمكنهم أيضاً أن يثبتوا أنهم محفزون ممتازون للعمل، وحاملون للتغيير، وداعمون لـ “عقد اجتماعي جديد”، كما حدث في عدد من الدول العربية، ومنها تونس ومصر.

ففي مصر أطلق المدون المصري وائل غنيم على الثورة التي هزت بلاده اسم “الثورة 2.0″، مسلطًا الضوء على الدور الحاسم الذي لعبته الشبكات الاجتماعية المساهمة في التعبئة في مصر وتونس. في الواقع، استخدمها المواطنون على نطاق واسع للتنديد بانتهاكات حقوقهم، والتعبير عن سخطهم، ولكن أيضاً لإعادة تجميع صفوفهم ونشر وعي سياسي معين وتنظيم أنفسهم للعمل. وبفضل شبكة الإنترنت، أصبح صوت المواطنين المكبوتين مسموعًا بشكل أكبر، بما في ذلك خارج حدودهم.

لقد أصبح الإنترنت هذا الفضاء البديل حيث يظهر فجأة ما كان مخفيًا لفترة طويلة عن أعين الجمهور، وحيث يمكن التعبير عن أشكال جديدة من التواصل الاجتماعي والإبداع، مما يولد هذه الديناميكية الاجتماعية والثقافية غير العادية. يتم التحايل على الرقابة بسهولة أكبر ويتم نشر المعلومات على نطاق أوسع وبسرعة أكبر من خلال مشاركة الروابط على مجتمعات الشبكات الاجتماعية المختلفة.

ولكن إذا كانت هذه الوسائط الرقمية قد فضلت بالفعل ظهور احتجاج قادر على الإطاحة بالقوى والحكومات القائمة، فلا يمكن فهم حجم الحركة دون الاعتراف بالدور الذي لعبته وسائل الإعلام القديمة، التي كانت قادرة على الارتباط بهذا الجديد.

ديناميكية بديلة وهكذا، ففي تونس، نجحت قناة الجزيرة في ترسيخ مكانتها باعتبارها وسيلة الإعلام السمعي والبصري المجانية في البلاد، حيث بثت على نطاق واسع شهادات تم تصويرها بالهواتف المحمولة أثناء المظاهرات، إذ تم تداول هذه الصور ولأول مرة على شبكات التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت، فإن توزيعها على نطاق واسع على القناة القطرية هو ما منحها صدى شعبيًا ودوليًا، فقد ساهمت وسائل الإعلام البديلة الجديدة ووسائل الإعلام التجارية القديمة، على العكس من ذلك، بشكل متضافر في تقويض قدرة السلطة المهيمنة على السيطرة على المعلومات وتنسيق الاحتجاج الاجتماعي والسياسي الذي أصبح قادراً على التعبير عن نفسه بالكامل في الشارع.

By admin-z