عبدالسلام ملا أمين

تُنشر هذه المادة بالتعاون بين شبكة الصحفيين الكُرد السوريين (SKJN) ومجلّة صُوَر في برنامج تعاون ضمن مشروع “المرآة”، حول “حقوق الإنسان والحريات العامة”.

أوجه الإعلام في تناول الأزمات
لم يعد خافياً على أحد أن وسائل الإعلام باتت تلعب دورًا نشطًا ورئيسًا في وقت الأزمات على مختلف أنواعها ومستوياتها؛ حيث بإمكان الإعلام أن يعالج الأزمة ويتناولها بموضوعية وبأبعادها المختلفة إذا ما سعى للحل بما يؤدي إلى انتهائها وتجاوزها في أسرع وقت ممكن، ومن جهة أخرى يستطيع الإعلام عبر وسائله أن يزيد من حالة التوتر والاحتقان بين طرفي أو أطراف الأزمة؛ ويزيد الطين بلّة؛ وبالتالي استمرارها وتفاقم المشكلات الناتجة عنها، ما يعني أن هناك فرقًا بين إعلام يعالج الأزمة وينهيها وإعلام آخر يدفع في اتجاه تفاقمها واستمرارها وتغذيتها.

في سوريا التي نعيش أزمة مرت عليها أكثر من عقد من الزمن، فقد وصل الحال بنا إلى نشوء جيل وترعرعه في ظل الأزمة، وتجرع إعلامها منذ النشأة وإلى يومنا هذا، ولا نعلم أين ومتى ستنتهي، ليتم التعايش مع هول الإعلام اليومي الذي ينقل أخبار الحروب والكوارث، والتي تنتشر كالنار في الهشيم في ظل توافر الوسائل بدءًا من المقروءة وانتهاءً بوسائل التواصل الاجتماعي مرورا بالسمعبصرية.

التأثير التراكمي للإعلام ينشأ جيلًا متأزمًا
ما يهمنا هنا هو ما يجب أن يعلمه الجيل الجديد (جيل الأزمات) أن هناك إعلام آخر مفقود بين متعاطيه وناشريه من بعض التوجهات السياسية ومؤسساتهم الإعلامية الحزبية والدول المتحكمة بالقرارات وبدفة الإعلام من وكالات أنباء وقنوات مختصة بتشكيل الرأي العام وفق مصالحها، كما يجب أن نعلم أنه من المهم جدًا هو كيف سنُعلِم هذا الجيل حجم الجرعات التي تجرعوها عبر شتى القنوات والمنافذ المحيطة بهم من كل حدب وصوب وهم يعيشون الأزمة لدرجة أنهم لا يستطيعون تخيل حياة غير التي عاشوها وباتت جزءًا من حياتهم، في حين أن أي متابع لسايكولوجيات مجتمع نشأ في ظل أزمة سيعلم تمامًا ماذا ينتج عنه، فالأزمة تترك آثارًا نفسية تتطلب معالجة ومواجهة من خلال اتصالات الأزمة (الخطة الإعلامية للأزمة)، إذ إن هذه الاتصالات عليها ان تركز على إزالة هذه الآثار وانعكاساتها.

تراجع متابعة القنوات الرسمية مقابل وسائل التواصل الاجتماعي
مع تنامي الدور المتزايد لوسائل الإعلام في تكوين الآراء والمواقف والاتجاهات أصبح الإعلام يلعب دورًا متزايدًا في تكوين آراء الأفراد ومواقفهم واتجاهاتهم لا سيما الفئة الناشئة من الشباب، فالطريقة التي يجري بموجبها تناول الأزمة في وسائل الإعلام بالتقارير الإخبارية هي إحدى المحددات الكبرى التي تعكس التأثيرات المختلفة على الفئات المستهدفة سواء بالسلب أو الإيجاب، ومن هذه التأثيرات عزوف الكثيرين عن متابعة الأخبار الخاصة بالحروب والأزمات عبر القنوات الرسمية والتجائهم إلى القنوات الخاصة المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي، التي اتضحت فيما بعد أنها تنقل الواقع دون تسييس؛ ليصبح إعلام المواطن من المواطن الصحفي، وربما هذا كان السبب الرئيس في تنامي عدد متابعي وسائل التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة، حيث بلغ في أبريل/نيسان 2023 حوالي 4.80 مليار شخص في العالم حسب تقرير “وي آر سوشيال”، كما تكشف أحدث الأرقام من الموقع ذاته أن مستخدم الإنترنت النموذجي يقضي الآن في المتوسط نحو ست ساعات و35 دقيقة يوميًا، وقضاء ست ساعات يوميًا في تصفح الإنترنت هو أكثر من ضعفي الوقت الذي يقضيه المرء في مشاهدة التلفزيون.

انتشار الشائعات بالتوازي مع تناول الأزمات إعلاميًا
إلى جانب هذا نرى أنه في كثير من أنواع الأزمات تنتشر شائعة أو أكثر، وهذه الشائعات تؤدي إلى تفاقم الأوضاع، وهنا يبرز دور اتصالات الأزمة في مواجهة هذه الشائعات والتصدي لها ولأخطارها، وهذا ربما يحتاج إلى حملات إعلامية للحد من انتشارها أو تأثيراتها أو حملات توعوية تساهم في عدم الانجرار خلف الشائعات وتمييزها عن الأخبار الحقيقية سواء بالبحث عن المصادر الرئيسية أو التحقق بواسطة برامج متخصصة تحقق في الصور والفيديوهات ذات الشأن.

ولهذا تبقى مجتمعاتنا بحاجة في هذه المرحلة إلى ترسيخ ونشر ثقافة الحوار كبديل عن ثقافة العنف، وهو عمل حضاري ومشروع يحتاج إلى أن تُبذَل من أجله الجهود في المؤسسات الإعلامية، كما تتطلب إرساء قواعد ثقافة التسامح، وقبول الآخر عبر النقد الذاتي بدلًا من الانشغال بالبحث عن السلبيات، وإحسان الظن بالآخر، ونبذ ثقافة الكراهية وتفعيل ثقافة فن الإصغاء له، بالإضافة إلى القدرة على التفاعل مع الآخرين، وقابلية احترام وجهة النظر المعارضة، فإذا ما تحققت هذه المقومات امتلكنا ركيزة قوية لبناء مجتمع متسامح وغني بالثقافات.

حرية المتابعة واختيار القنوات الإخبارية
يبقى ما يمكننا قوله هو أن من حق أي فرد أن يتابع ما يهمه من المواضيع أو الأحداث في وسائل الإعلام التي يراها مناسبة من وجهة نظره دون رقيب أو حسيب، لكن رغم توافر هذا الكم الهائل من الإعلام ووسائله المختلفة، يبقى البحث في هذا الفضاء الإخباري الصاخب عمّا يروي الفضول لمختلف المتابعين من معلومات حول حدث معين قد يعني فئة محددة أو شريحة واسعة من المجتمع.

الصورة تعبيرية:من النت

By admin-z