بقلم نور الأحمد

قولبت النساء على مر العصور في وسائل الإعلام بقوالب نمطية سلبية، بناء على الصورة التي ترتكز بشكل أساسي على الاهتمام بالمظهر الخارجي دون الفكري، فاستخدمتها تلك الوسائل كسلعة لشد انتباه المشاهد وإقناعه بدورهن المحدود؛ مما عكس بالضرورة على المشاركة الخجولة لهنّ في المجال الإعلامي. ومما زاد الطين بلّة هو إقصاؤهن عن العمل في هذا المجال أو حتى ظهورها بعيداً عن تلك الصورة النمطية التي عمل على تعزيزها إلى يومنا هذا ولو بنسب مختلفة.

المرأة العاملة في الإعلام عبر التاريخ:
يُدهش البعض في القرن الحادي والعشرين بوجود نساء يعملن في المجال الإعلامي بشكل محترف ومهني ومتمكن، دهشتهم هذه يعود سببها المباشر لتكتم وسائل الإعلام حول العالم لدورهن أو إظهارهن بصورة واحدة!

فلو عرفوا آن مارغريت دونيز كأشهر صحفية في أوربا بالقرن الثامن عشر، التي نالت تقاريرها اهتمام الأوربيين على غرار كاثرينا اهلغرين، التي صنفت كأول صحفية ومحررة في فنلندا السويدية في ذات القرن، لما أثار وجود المصورة الصحفية والمراسلة الحربية دهشتهم!

فالتاريخ عزيزي القارئ قد أثبت لنا أهمية دور المرأة في الإعلام بعيداً عن الأحكام المسبقة والاستخفاف بقدراتهن، كانت هند نوفل المرأة الأولى في العالم العربي تنشر مجلة “الفتاة”، التي تختص بقضايا المرأة فقط في القرن التاسع عشر، ولا ننسى عبلة الخوري كأول مذيعة في إذاعة دمشق، ودورثي لانغ كواحدة من أهم المصورات الصحفيات، وأوبرا وينفري أول امرأة أمريكية من ذوات البشرة السوداء تدخل وتنجح في العمل الإعلامي إلى يومنا هذا، وشيرين ابو عاقلة التي فقدت حياتها أثناء تغطيتها الصحفية هذا العام.

القائمة تطول وربما نحتاج لمقال كامل للحديث عن نساء، عملن في الإعلام يتقاسمن أشياء مشتركة رغم اختلاف خلفياتهن، وهو الموهبة والإصرار على العمل وكسر الصورة النمطية للإعلامية حول العالم.

المرأة السورية والإعلام:
مشاركة المرأة السورية بعيداً عن الصورة النمطية المتفشية بشكل أكبر في سوريا كانت أصعب من باقي الدول، فالكل على إيمان تام كيف كان حال الإعلام السوري في مرحلة ما قبل الحرب.

كان الإعلام السوري مقتصراً على وجود أولئك الحاصلين على علامات شبه تامة في شهادة الثانوية العامة التي تؤهلهم لدخول كلية الإعلام في دمشق، ومما زاد في الأمر صعوبة على من لديه الشغف للدخول في هذا المجال هو اقتصار الموافقة على دخولهم على بعض المؤسسات الحكومية، التي تعتمد مبدأ الوساطات في غالب الأحيان أو على وضع فتاة حسناء تزيد عدد مشاهداتهم وإعلاناتهم.

على الرغم من كل تلك القيود والشروط غير عادلة إلا أنه لكل قاعدة شواذ ولكل مجتهد نصيب، فبرزت أسماء مهمة في الإعلام السوري كنساء أثبتن أنهن قادرات على كسر الصورة التقليدية، والحصول على مكان مهم آنذاك بعيداً عن التحجيم الذي سعت له الحكومة أو المؤسسة الإعلامية حينها.

هالة غوراني الأمريكية من أصل سوري قد عملت منذ تسعينيات القرن الماضي، وعزة الشرع خريجة جامعة دمشق قسم اللغة الإنجليزية، التي آمنت بموهبتها وتدربت من خلال عدة ورشات تدريبية وأثبتت جدراتها كإعلامية ذات اسم رنان حيث غردّ صوتها في إذاعة دمشق منذ ثمانينيات القرن الماضي.

إعلاميات ما بعد الحرب:
رغم كل ما تكبدته سوريا كبلاد، والسوريون كشعب عانى الحرب لسنوات طويلة ولا يزال، إلا أن أحد الجوانب الإيجابية للثورة في سوريا هو حصول عدد كبير من النساء على الفرصة لأنْ يشاركن العالم أجمع وجع بلادهن وتنوعها وجمالها من خلال العمل الإعلامي.

ورغم الأعداد الخجولة -إلى يومنا هذا- من النساء المشاركات في المجال الإعلامي إلا أنها أكبر مما كانت عليه حين كانت الشروط مجحفة بحقهن.

لم يقتصر دورهن على أن يكن سيدات جميلات على شاشات التلفاز، بل على العكس فكانت خلود وليد مؤسسة لجريدة عنب بلدي ورولا أسد كمديرة تنفيذية لشبكة الصحفيات السوريات، وزينة يازجي التي لمع اسمها في الإعلام وصنفت عام 2013 ضمن قائمة أقوى امرأة عربية في العالم، وغيرهنّ الكثير.

لكن هل أعطيت المرأة حقها في المجال الاعلامي في عموم سوريا، كما أعطيت في مناطق شمال وشرق سوريا؟!

المرأة والاعلام في شمال شرق سوريا :
هنا وبهذه البقعة الجغرافية من الارض في شمال وشرق سوريا حدث ما أسميه “ثورة الإعلام”.
قد كانت الحاجة لإيصال صوت هذه المناطق أكبر من سواها؛ لعدم التطرق لها من قبل الإعلام السوري أو ذكرها ضمن صورة نمطية غير صحيحة ومشوهة، دفعت جميع مكونات هذه المناطق للمشاركة في التغطية الإعلامية رغم قلة الخبرة وضعف الإمكانات بداية.

ومما ميز الإعلام هنا هو دور المرأة الفاعل إلى حد كبير به، على الرغم من رفض المجتمع لعملهن خاصة النساء اللواتي ينحدرن من أصول عشائرية عربية، إذا ما تمت مقارنته بالفتيات الكرديات، اللائي عرفن منذ الأزل بشجاعتهن وتحديهن لكل المصاعب والعراقيل.

انتشار العديد من المؤسسات الإعلامية المستقلة، ودعم التابعة للإدارة الذاتية للمرأة وإشراكها وتشجيعها للعمل في المجال الإعلامي، دفع الكثيرات للخوض في هذه التجربة والنجاح فيها.

فكنّ مراسلات لوكالات أنباء مهمة ومؤسسات إعلامية كبيرة، وقد أثبتن جدارتهن ليكن محاورات ومعدات ومقدمات برامج ومديرات وصاحبات قرار في بعض الأماكن.

عام بعد عام تثبت المرأة الإعلامية في شمال شرق سوريا إنها قادرة على أن تكون موجودة، وهي ليست كما صورها الإعلام منذ الأزل وأطرها في ذاك الإطار السلبي، بل على العكس فهي ند لإعلامي في مجالهما.

نستذكر بعض منهنّ دلشان ايبيش التي استشهدت أثناء عملها الصحفي اثر تفجير انتحاري في ريف دير الزور ،الصحفية روناك شيخي التي اثبتت قدرة المرأة على العمل في هذا المجال و أن تكون أم.. فأثارت إعجاب الجميع أثناء تغطيتها لأحداث الباغوز رغم أنها كانت حينها قد وضعت طفلها الأول منذ يومين، وخبات عباس الحاصلة على جائزة من رويترز كفيكسر، وصحفية سورية مهمة ولدت من رحم هذه المنطقة، فيفيان فتّاح التي غطت بشكل احترافي أخبار هذي البلاد، ناز السيد مراسلة تتواجد يدا بيد مع زملائها الرجال في الحروب والمعارك، شيرين سيدو التي حاول المجتمع وضعها بقالب المرأة الجميلة وكسرت ذاك القالب بمشاركتها بأعمال تعني بالإنسان السوري وهمومه.

إعلام حر وصورة وردية!!
“في دراسة استقصائية عالمية عام 2014 صادرة من المعهد الدولي لسلامة الأخبار بالشراكة مع المؤسسة الدولية لوسائل الإعلام النسائية وبدعم من اليونسكو، وُجد أن ثلثي النساء اللاتي شاركن بالدراسة تعرضن للإرهاب أو التهديد أو الإيذاء الجسدي في مكان عملهن.”

وجود ثورة إعلامية نسائية أن صح التعبير لا يعني إطلاقاً على أن الإعلام في شمال شرق سوريا حر بشكل كامل، وأن الصورة النمطية قد ألغيت بشكل كامل وأصبحت وردية!!

فتقول الصحفية الميدانية رغد المطلق:
“المرأة العربية العاملة في المجال الاعلامي تدفع الضريبة الأكبر وتتأطر بصورة نمطية أكثر من قريناتها من باقي المكونات، تبدأ تلك الصورة من دائرة الاهل الضيقة ولا تنتهي بالمؤسسة التي تعمل بها.”

مثل كل مجالات العمل في العالم ومثل باقي دول العالم تتعرض النساء وتحديدا أولئك اللائي يعملن في الوسط الإعلامي للكثير من الاعتداءات، كالجنسية واللفظية والعنصرية والتحرش والابتزاز.

وقد اتسعت بقعة التحرش لتشمل مواقع التواصل الاجتماعي أيضاً، فمنهن من تعرضت للتهديد فإن لم تكن متجاوبة ستنشر لها صور مركبة أو يتم فصلها من المؤسسة وما إلى ذلك.

وبحسب الدراسة الاستقصائية المذكورة سابقاً فإن أكثر من 25% من الترهيب اللفظي الكتابي أو الجسدي متضمن التهديدات، التي يتعرض لها أفراد العائلة والأصدقاء حدثت عبر الإنترنت.

لم تقتصر مشكلات النساء العاملات في المجال الإعلامي على ما تم ذكره، بل تتوسع لتشمل مبدأ عدم تكافؤ الفرص وتفضيل الرجل الصحفي على المرأة وعدم دعم الصحفيات لبعضهن البعض أو عدم تلقي أجور مثل الرجل…

هنا نستذكر تجربة الإعلامية العالمية أوبرا وينفري عندما استقالت من المؤسسة التي كانت تعمل بها، لأن مديرها التنفيذي كان يعطيها نصف الأجر الذي يتلقاه زميلها الرجل، وقد كانت حجته أنها ليست مسؤولة عن عائلة كقرينها، هي اليوم وينفري وهو مجهول الهوية.

هذه التجربة إن نظرنا لأبعادها نجد أهمية وجود قوانين تسن لحماية الصحفيات وتمكينهن بشكل أكبر وإلغاء الصورة النمطية لدورهن بالمجال الإعلامي، وإشراكهن بصناعة القرار وتأسيس وبناء عالمهن الخاص بعيداً عن التحيز قريباً كل القرب من هدف بناء مجتمعات متطورة فكرياً ومسلطات الضوء على مشكلاتهن وإظهارهن بصورتهن الحقيقية ليس التي أرادوا أن يصنعوها لهنّ.

والأهم من ذلك كله هو إيمان من عملت أو تريد العمل في المجال الإعلامي أن تدافع عما تريد الوصول إليه، لتترك بصمة لن تنسى لأجيال ستأتي بعدها.

المصادر:

Syria Anchors website

جريدة الأيام السورية

ويكيبيديا

كتاب المرأة والإعلام

Quora website

كتاب أنا لا أؤمن بالفشل

موسوعة عريق

نور الأحمد

صحفية مستقلة وناشطة في مجال حقوق الإنسان والمرأة

الصورة تعبيرية من النت

الآراء المنشورة في المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

By admin-z