أسامةخلف
منذ انطلاق الحراك السوري وهجرة العديد من العوائل من مناطق سيطرة النظام ومناطق الصراع إلى الشمال السوري بطرفيه “الشرقي والغربي” بحثاً عن بيئة وحياة أكثر أمناً واستقراراً ولوجود العديد من للمنظمات الإنسانية التي تهتم بحقوق المرأة؛ توجهت نساء نازحات من حمص وحماه ودير الزور ودمشق وحلب إلى مركز مدينة الرقة وريفها؛ لينتج عن ذلك إنشاء مراكز إيواء ومخيمات رسمية وعشوائية بلغ عددها أكثر من 50 مخيماً بواقع 13500 عائلة في المخيمات بحسب إحصائية مجلس الرقة المدني للعام 2023.
وعملت عدة منظمات معنية ومجالس تتبع للإدارة الذاتية منذ العام 2017 على برامج تعمل على مناصرة المرأة وتعزيز مكانتها وحضورها، وأطلقت منصبا جديداً “الرئاسة المشتركة” في جميع الدوائر والهيئات، تشاطر فيها الرجل إدارة ما سلف من مسميات وظيفية.
خلال الأعوام 2019-2020-2021-2023 وبكفالة من شيوخ العشائر خرج من مخيم الهول بريف الحسكة الذي يضم عوائل وأزواج وأطفال عناصر تنظيم الدولة الإسلامية أكثر من 1200عائلة، جلهم من نساء وأطفال وكبار السن، وكانت الوجهة الرقة.
وأطلقت على إثرها منظمات دولية ومحلية برامج معنية لإعادة تأهيل النساء والأطفال العائدين من مخيم الهول، كما وتم إنشاء مجلس عشائري مدني يتابع أوضاع تلك العوائل حمل مسمى “لجنة حل النزاع”.
يقول الشيخ محمد علي المبروك رئيس لجنة حل النزاع سابقاً في هذا الصدد: “عملنا بالتشارك مع منظمة أوكسجين على تنظيم قوائم بالأسماء وإحصاء دقيق للعوائل العائدة من الهول، ومتابعة أهم المعضلات والشكاوى التي تلاقيها النساء والأطفال، وكانت هناك حملات خيرية ومبادرات منها تأمين منازل مؤجرة، وتأمين فرص عمل وبرامج تنموية وإعادة تأهيل وتعليم، بالإضافة لتنظيم جلسات مع لجان المجلس المدني، لتسجيل القيود المكتومة من الأطفال خلال الأعوام 2022-2023”.
وأنشأ مجلس الرقة المدني هيكلية جديدة تعنى بمتابعة أوضاع العائدات من الهول بمسمى “مركز الرعاية الاجتماعية” الممول من برنامج الخدمات الأساسية المدعوم من الوكالة الامريكية للتنمية الدولية USAID، ويقدم الخدمات التي تقدمها هيئة المرأة للعوائل العائدة من مخيم الهول، ومن أبرزها مشروع التمكين الاقتصادي للنساء العائدات والنساء في المجتمعات المستضيفة، وإعطاء تحديث عما تم الوصول إليه بتسجيل المستفيدين.
وتقول الناشطة المدنية ريم ناصيف، العاملة بمجال أوضاع العائدات من مخيم الهول، والنازحات إلى الرقة: “ترتبت نتائج كارثية على المجتمع السوري أبرزها كانت الهجرة الخارجية والداخلية من مناطق سيطرة النظام والميليشيات الإيرانية، وأصبحت الرقة حالياً تضم عوائل أغلبها من النساء والأطفال، الغالبية منهن تحت خط الفقر ومعدومات المعيل، واضطر بعضهن وخاصة النساء الوافدات لدخول ميدان العمل والأرامل منهن بشكل خاص، واستطاعت منظمات نسوية تأمين مشاريع تدريبية ضمن برامج سبل العيش في مجالات الزراعة والمؤونة والخياطة وما سواه لتحقيق نوع من الاكتفاء الذاتي للعوائل”.
وتابعت ناصيف: بالرغم من البرامج والأنشطة العديدة للمنظمات إلا أن نساء مخيم سهلة البنات واليوناني والكسرة وسواه من الوافدات إلى الرقة، والذي ضم عوائل من ريفي الرقة ودير الزور الواقعين تحت سيطرة النظام وريف حماه وحمص، لم يستطعن الاستفادة من المشاريع سبل العيش والدورات التدريبية كباقي النساء بالرقة في مركز المدينة والريف”.
اضطرت نساء نازحات للعمل في مهنة جمع النفايات من المكب القريب من مخيم سهلة البنات، وهو العمل الأخطر إطلاقاً على الصحة العامة، حيث تعمل النساء على عزل المواد البلاستيكية والمعادن وتجميعها وحرق تلك الأكوام من القمامة للحصول على المواد القابلة للبيع.
أم حليمة زوجة لأحد عناصر التنظيم من منطقة الدانا بريف إدلب وتقطن مع أخواتها الاثنين في منطقة مفرق الجزرة بالرقة تقول: “بالرغم من وجود أقارب لي وأخوال بالرقة، إلا أن ذلك لم يشفع لي ولأختيّ الأرملتين للعودة إلى النسيج السابق قبل أن يبايع زوجي وأزواجهن التنظيم، وبعد عودتنا من الهول، وجدنا أنفسنا وأطفالنا بلا مأوى ولا أقرباء، مما اضطرنا لدخول ميدان العمل في التطريز والخياطة ومؤونة المنازل”.
تتابع أم حليمة: “خلال شهر رمضان الحالي 2024 رأينا العديد من المبادرات والأعمال الخيرية وإكساء اليتيم للنازحات والأرامل والأشد فقرا، لكن ذلك لم يمر علينا سوى بحسنة واحدة مطلع الشهر اعتبرنا فيه المانح عائلة واحدة بالرغم من أننا ثلاثة أرامل و12 طفلا وطفلة”.
فرص العمل المتاحة كانت في خانات وأحواش تربية الأغنام في منطقة سوق المواشي “الماگف” المجاور لمخيم “سهلة البنات” كان سبيلا ومقصدا للعديد من النساء خاصة الأرامل منهن والنازحات، بحسب “زلخة العيسى”، وهي مهجرة من منطقة الميادين بريف دير الزور الشرقي التي تقول: “أعمل منذ ساعات الصباح الباكر وتصحبني عشرات النساء من المخيم والأحياء المجاورة، في تنظيف وتحميل روث المواشي وتكييسهن، لكن وجود الرجال والاختلاط والخوف وأنا “أرملة” جعلني عرضة للتحرش وكلام الناس وهو مالا أستطيعه تحمله”.
تضيف: “اضطررت إلى اللحاق بالعمل مع 25 امرأة أخرى ضمن ورشات في مجمع القمامة المقابل للمخيم وأعمل وبقية النساء منذ الساعة الثامنة صباحا وحتى الساعة الخامسة عصرا يوميا ضمن ورشات عمل بيومية مقطوعة قدرها 8000 ليرة، ونعمل على حمل أكياس بيضاء كبيرة، ننبش القمامة والأوساخ المتجمعة بأدوات حديدية بدائية بعد تكويمها بأكوام ومن ثم عزل وتصنيف المواد وفق نوعها البلاستيك، المعادن، المطاط”.
التقاط المخلفات والنفايات من الحاويات ومجمعات القمامة أضحت نمطية سائدة من عمل النساء والأطفال في الخرائب والأبنية المهدمة بحثاً عن كل ما يباع ويقبض ثمنه، وقد أصبح مظهراً نمطياً للشوارع والأحياء في غالبية مركز المدينة.
وعملت جمعيات خيرية محلية ومبادرات في مدينة الرقة على احتواء أوضاع العوائل الفقيرة من نازحات ومهجرات وعائدات من مخيم الهول، وقدمت خدمات كثيرة للنساء خاصة بمجال الطبابة من الأمراض المزمنة والسارية، ومنها مبادرة صنائع المعروف، جابر عثرات الكرام، فريق بشائر، صندوق أهل الخير، والتي تعتمد على التبرعات من التجار والمغتربين.
ويغلب نمط المجتمع العشائري القبلي على المناخ العام السائد في مدينة الرقة، الذي يحمل في طياته تيارات العرف والعادات والتقاليد الحميدة منها والعصبية الهوجاء، وتسود أحكام وأعراف مما يمس المرأة في المجتمع فيما يتعلق بالعفة والشيمة والكرامة للعشيرة، بالمقابل تتطبق أحكام لا شفاعة فيها للأنثى في حال ثبوت خلل يمس السمعة والشرف بمفهومه السائد، دون الأخذ بعين الاعتبار دفاعها عن نفسها أو إثبات النفي، ما يجعل من المرأة الحلقة الأضعف التي تجعل العديد من الذئاب البشرية تتجه نحوها بابتزاز أو تهديد أو يخالف المنافي للحشمة والأعراف.
تقول عبير، اسم مستعار، 34 عاما: “منذ خروجنا أنا وأختي وأمي من مخيم الهول في العام 2019 والمجتمع ينبذ وجودنا معهم، كوننا عائدات من مخيم الهول، فاضطررنا للسكن في منزل بمنطقة حي البدو بالرقة، واستطعنا العمل بمجال الخياطة والمؤونة المنزلية لنسد حاجيات العائلة.
وتتابع قائلة: منذ ما يقارب العام تقريبا افتتحت محل للخياطة النسائية، وكان العمل جيدا ومناسبا لي ولأختي، كونه يقتصر على النساء وهي مهنة جيدة لوضعنا، لكن ومنذ أيام بدأت تتوارد رسائل من رقم غريب “أمريكي مستعار” على تطبيق واتس آب بين تهديد ووعيد، بادئاً المحادثة بأنه يعرفني وقد تسلل إلى المحل والتقط لي صورا خاصة حسب قوله، وإنه سينشرها في حال لم أدفع ثمن تلك الصور 300دولار.
تضيف عبير: “حاولت معرفة الشخص والاتصال معه عدة مرات مكذبة ادعاءاته لكنه أرسل صورة لواجهة المحل، وصورة لي وأنا أعمل، ما أثار خوفي جدا، سيما وأنه هدد بإرسال الصور ورجائي له بعدم النشر في محادثة واتس أب، إنني بحق في ورطة كبيرة، فالمجتمع والعشيرة لن ترحمني، ولا يعرفون قبل أن كل ما في الأمر هو تهديد وابتزاز بعد تصويري في المحل وأنا أعمل.
في سياق متصل تقول حسناء 38 عاما، وتقطن في منطقة الحديقة البيضاء بالرقة: منذ نزوحنا من مناطقنا بريف دير الزور الشرقي، ونحن نلاقي الأمرين في الاستئجار والسكن نتيجة الغلاء والشروط المجحفة من قبل أصحابها وأصحاب المكاتب العقارية، وكوني أعمل مع أخواتي ووالدي في مجال صناعة المعجنات المنزلية والحلويات، فقد استطعت استئجار منزل ملائم لعائلتنا عن طريق أحد المكاتب العقارية في شمال الحديقة البيضاء.
تتابع حسناء: “فرض صاحب المكتب العقاري شرط دفع إيجار ستة أشهر مقبوض منها فقط ثلاثة أشهر، وبعد انقضاء الثلاثة أشهر، بدأ يتواصل معي عبر تطبيق واتس آب وطلب مني التوجه إلى مكتبه، وبالفعل ذهبت واصطحبت معي ابنتي الصغيرة، فبادرني بالسؤال، لماذا اصطحبتِ الصغيرة معك، فأنا أريد النقاش معك وحدك بموضوع المنزل دون الصغيرة، فتجهمت وقلت له بنبرة: قل ما لديك بما يخص المنزل والمنزل فقط، فقال: أريد أن اقول لك أنه بقي على العقد شهران، وإن كنت تريدين البقاء فأنا أضمن لك ذلك، وكونك شابة وفتية، فأنتِ تعجبينني، وسأكتب بيني بينك عقدين عقد زواج عرفي وعقد سنوي للمنزل”.
وأردفت قائلة: انفعلت من أسلوب كلامه وتلميحاته الوضيعة، وصرخت بوجهه، بيني وبينك القانون، فقال بسخرية: القانون نكتبه على الورق والناس شافوك عندي بالمكتب، ورح أتركك تفكرين بالعرض”.
يقول الناشط الإعلامي أبوعدي من الرقة: “إن ما تتعرض له النساء العازبات أو المرأة المتزوجة من ابتزاز وانتهاكات من ضعاف النفوس، وعدم استطاعتهن الشكوى أو الكلام بسبب الخوف من تداعيات أي أمر أو عار تحت مسمى جرائم الشرف، في حين يبقى الفاعل دون عقاب، خاصة النساء يخشين من التقدم بالشكوى لأي جهة أمنية خوفا من الفضيحة التي يعاقب عليها المجتمع ولا يرحم فيها المرأة”.
ويضيف: “الأمر الذي أنتج فئة من ضعاف النفوس والاستغلاليين خاصة بمجال الجريمة الالكترونية الأخلاقية، وما يسمى الهكر وتهديد المستخدمات من الشابات بل والنساء من نشر صور شخصية خاصة، والوعيد بغية السلب والابتزاز المادي والأخلاقي”.
الصورة: من النت