عزالدين ملا

تُنشر هذه المادة بالتعاون بين شبكة الصحفيين الكُرد السوريين (SKJN) ومجلّة صُوَر في برنامج تعاون ضمن مشروع “المرآة”، حول “حقوق الإنسان والحريات العامة”.
مما لا شك فيه أن اشكالية موضوع خطاب الكراهية أخذ حيِّزاً كبيراً واهتماماً واسعاً لدى المنظمات والمؤسسات القانونية والإنسانية الدولية، كما ولوحظ أن هذه الإشكالية لها حِدَّة أكبر في المجتمعات الشرقية لارتباطها بالثقافات المحلية التي تعتمد على العادات والتقاليد الموروثة، كما إعتَقدَ العديد من المنظمات المدنية و المؤسسات الإعلامية المحلية والإقليمية إلى إمكانية مواجهة خطاب الكراهية في منطقة الشرق الأوسط بسهولة ويسر ولوقت قصير، وبمقدورهم اجتثاثه من خلال بعض الورشات والمحاضرات والندوات والبرامج التلفزيونية، وهذا ضرب من الخيال، الثقافة الموروثة والعادات والتقاليد في المجتمع الشرقي المتراكم لمئات السنين، لا يمكن إنهائه بهذه البساطة، بل بحاجة إلى جهود حثيثة وتكاتف كافة المؤسسات القانونية والإعلامية ومنظمات المجتمع المدني، وعلى مراحل ولفترات طويلة لتتمكن من تخفيفه ومن ثم إنهائه.
ثقافة خطاب الكراهية متعمق ومتغلغل في أعماق أعماق مورثات المجتمع الشرقي، هذا لا يعني عدم القدرة على التخفيف من حدته والقضاء عليه، بل على العكس هو الحاجة إلى جهد جماعي ووعي ثقافي مجتمعي.

المؤسسات الإعلامية ومتاهات خطاب الكراهية
يبدو أن اشكالية خطاب الكراهية في سوريا عامة والمناطق الشرقية على وجه الخصوص، اصبحت حديث متداول بشكل مستمرّ من قبل الجهات والمؤسسات القانونية والإنسانية المحلية، ولعدم القدرة على وضع آلية معينة يمكن تداركه ومحاربته بالشكل المطلوب تدفع بالمؤسسات الإعلامية إلى الوقوع في متاهات كثيرة وكبيرة أحيانا.
بيد ان الحديث عن خطاب الكراهية معقد ومتشابك ويثير تساؤلات كثيرة عندما تواجه أو تقترن بحرية الرأي والتعبير، وفي المجتمعات الشرقية التي تتلذذ من الثقافات المجتمعية المبنية على العادات والتقاليد، وبما أن الدول والمؤسسات العالمية لم تتوصل إلى تعريف واضح وصريح عن خطاب الكراهية، لذا تعمل الجهات والمؤسسات القانونية والإنسانية بشتى الوسائل لوضع قيود وشروط محددة حول التفريق بين حرية التعبير وخطاب الكراهية ولكن هذا الجهد خجول ودون المستوى المطلوب، فيجدون صعوبة في تحديدها وتقديرها، لأن معظمها تقترن بالعادات والثقافات المختلفة في المجتمع السوري، وأيضا بالعادات والتقاليد المجتمعية الموروثة. وفي كثير من الأحيان تصطدم مؤسسات الإعلام بشكل أو بآخر بهذه الإشكالية، وتحاول كل مؤسسة إعلامية قدر الإمكان تحييد نفسها في الوقوع فريسة خطاب الكراهية ولكن تقع في ذاك المستنقع بقصد أو دون قصد.

ثقافات مختلفة في بيئة واحدة تخلق اشكالية سوء فهم
الثقافات المختلفة الموجودة ضمن البيئة الواحدة تخلق سوء فهم في بعض الأحيان، من خلال مصطلحات معينة قد تدفع إلى خانة خطاب كراهية. هناك أمثلة كثيرة من عبارات تتداول في مجتمع ما قد تدخل في خانة خطاب كراهية لمكون معين وتكون تلك الكلمة مذمة، وفي نفس الوقت تلك الكلمة في مجتمع آخر عكسها حيث تكون تلك الكلمة مدح واستشراف. ومن هذه الأمثلة، كلمة “يا خنزير، أنت خنزير” وهو اسم حيوان معروف لنا، في ثقافات المجتمع العربي هذه الكلمة يقال عند الذَّم والقدح، ومعنى تلك الكلمة أي الخنزير وباللغة الكوردية ( Beraz ) ( Tu Berazî– Ez Berazim ) المقصود ( أنت شجاع – أنا قوي وشجاع ومجتهد )، مثال آخر: الجملة نفس المعنى ولكن التعبير يتغير: ( بلال خنزير في دراسته أي لا يفهم وضعيف فيها)، نفس الجملة باللغة الكوردية ( Bilal di xwendine de Beraze أي مجتهد ومثابر )، رغم أن المكونين الكوردي والعربي يعيشان في بيئة واحدة ولكن ثقافتهما مختلفة مع بعض المشتركات. لذا هذه الاشكالية قد تفرز شيء من خطاب الكراهية إن التقى شخص من أحد المكونين لشخص من المكون الآخر، ويحدث سوء فهم إن أثارت هذه الكلمة.
من الواجب على المؤسسات المدنية والجهات الإعلامية تنظيم ورشات توعية لتعريف المكونات بثقافات بعضهم البعض وفهم هذه الفروقات في معاني بعض المصطلحات.

ألقاب تحمُل في مضمونها غبار خطاب الكراهية
في المجتمع السوري توجد إشكالية قد تكون غير مقصودة، ولكن بشكل أو بآخر قد تدخل في خانة خطاب الكراهية، وهناك أمثلة كثيرة يمكننا وضع بعض العيّنات، ففي مدينة ديرالزور حيث معظم القاطنين من المكون العربي، ولكن عند إقامة عائلة كوردية فيها، يّطلق صفة بيت الكوردي أو منزل الكوردي وقد تسمى بإسم كبير العائلة ويتبعه صفة الكوردي كـ أحمد الكوردي وسعيد الكوردي. وفي القامشلي مثلا في حي يقطنها المكون الكوردي، تكون صفة عائلة عربية التي تسكن معهم، يّطلق عليها بيت العربي ومنزل العربي أو محمد العربي، وهكذا على المسيحي والآشوري والإيزيدي، ويستمرّ هذ اللقب لعشرات وحتى لمئات السنين. للوهلة الأولى قد تأخذها باللامبالاة، ولا تعطيها أي اهتمام، ولكن في مضمونها تحمل تلك العبارات غبار خطاب الكراهية، وتدفع إلى وضع فروقات مجتمعية تثير الكراهية دون قصد.
الحث على ضرورة توفير المؤسسات الإعلامية المحلية الموارد اللازمة لزيادة الوعى لتأثير هذه الألقاب في تأجيج خطاب الكراهية في المجتمعات. وتوجيه خطاب وسائل الإعلام للتعريف بالثقافات والتقاليد والمعتقدات المختلفة للقضاء على الصور النمطية التي تعزز مواقف الكراهية داخل تلك المجتمعات، وتعزيز مرونة المجتمعات في تقبل التنوع العرقي والديني ونبذ التعصب.

مؤسسات مختلفة الأوجه ومحاولاتها المتعددة
هناك محاولات عديدة من قبل مؤسسات متعددة الأوجه من إنسانية وإعلامية وقانونية وغيرها في سوريا عامة ومناطقنا على وجه الخصوص لمواجهة خطاب الكراهية وحسب إمكاناتها، من خلال التوعية والتثقيف المجتمعي أولا والمهني بكافة مجالاتها ثانيا، ولكن من المؤسف رغم كل تلك المحاولات ومازال الطريق في بدايته.

تحديد استراتيجية متينة من ضرورات تعزيز تماسك الثقافات
التوجيه على ضرورة وضع استراتيجية معينة تتماشى مع ثقافات وعادات مجتمعاتنا ضمن المؤسسات الإعلامية المحلية، مع توفير الموارد اللازمة لزيادة الوعى بتأثير هذه الألقاب في فهم ثقافات المكونات بين بعضهم البعض. وتوجيه خطاب وسائل الإعلام للتعريف بالثقافات والتقاليد والمعتقدات المختلفة للقضاء على الصور النمطية التي تعزز مواقف الكراهية. وتعزيز التربية المجتمعية في بث برامج التعريف وفتح باب برامج حوارية مكثفة بين المكونات المتعايشة على فهم بعضهم البعض. وتعزيز قدرات الصحفيين من أجل التعرف على معايير معينة في مجتمعاتنا التي تثير خطاب الكراهية ومواجهتها. وحرية وصول الجماعات المختلفة والأقليات العرقية والدينية إلى وسائل الإعلام لعرض وجهات نظرها، لتوسيع دائرة التماسك والترابط بين المكونات المتعايشة وخلق بيئة تعمّ فيها الوئام والوفاق والمحبة.

استراتيجية دور التعليم وبناء القدرات لردع خطاب الكراهية
يتطلب الدفع المكثف لـ المجتمع المدني في تقديم مبادرات وأنشطة وندوات ومؤتمرات تعزز وحدة النسيج الاجتماعي، من تفعيل دور التعليم في معالجة وبناء القدرة على مواجهة خطاب الكراهية من خلال تنشئة جيل تعي على القيم المدنية وإدماجها في المناهج وخلق برامج إعلامية يعزز الإدراك الإيجابي للآخر، ورفع الوعى وتحقيق شعور مشترك بضرورة التصدي لبذور الكراهية للحفاظ على تماسك المجتمع. ونشر قيم المواطنة والمساوة ودعم الحوار والتعايش السلمي والتنوع وقبول الاختلاف بين الجماعات المتنوعة. والتخطيط لسياسات اجتماعية واقتصادية تهدف لخلق مجتمعات متماسكة وبيئة غير منتجة لخطاب الكراهية تعالج الأسباب الجذرية والمحركة لخطاب الكراهية.

شاركها.

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version