الكاتب: مصطفى مصطفى

بعد أربع سنوات على إنتاجه، أثار عرض الفيلم السوري “الخيمة 56” جدلاً كبيراً مؤخراً، وعلى الرغم من أن فكرة وسياق إنتاجه مختلف عمّا أثير حوله من تحليلات واستنتاجات، وكانت محاولة في كسر الصورة النمطية لدور المرأة في العلاقة الحميمية مع زوجها، وكذلك طريقة تناول موضوع مأساة اللاجئين في مخيمات اللجوء في الإعلام والدراما، إلّا أنَّه اصطدم –كما العديد من المحاولات- بجدار العادات والتقاليد المجتمعية، وربط كيان المرأة بشرف، وعزة، وعادات، وتقاليد المجتمع والقبيلة.

“الخيمة” قسَّمت السوريين
من المعروف أن أكثر المواضيع التي تثير الجدل في المجتمع وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، هي تلك المواضيع المتعلقة بالجنس والتي تعتبر من “التابوهات” في المجتمع، ولكن -في الوقت نفسه- تصبح تلك المواضيع الأكثر مشاهدة –إن كانت مشاهد مصورة- أو الأكثر تصفحا وقراءةً.
بعد أن عُرض فيلم “الخيمة 56” على وسائل التواصل الاجتماعي أثيرت ضجة مؤخراً، وقسمت الجمهور العربي بشكل عام، والسوري بشكل خاص، بين منْ أعتبره “خادش للحياء وإباحي”، ومنْ اعتبره “طرح جديد للأفكار في سياق السينما السورية”، حيث تدور أحداث الفيلم حول صعوبة توفير مكان أو مساحة خاصة لأزواج يعيشون في مخيم للاجئين السوريين، للقيام بعلاقة جنسية، وبالتالي ظهور فكرة إقامة خيمة مخصصة للأزواج، مجهزة وذو جو رومنسي، للقيام بعلاقة حميمة واستخدامها مداورة.

“اعتداء سافر على حرائر القبيلة”
كانت فكرة الفيلم -من حيث الطرح- جديدة ومهمة جداً، مقارنة بالمواضيع التي تطرح حول اللاجئين وتصنف كـ”أولويات” مثل سوء المعيشة، والبرد، وعدم توفر الكهرباء وفقدان الأمان، حيث استطاع الفيلم أن يسلط الضوء على حاجة بشرية مهمة، وضرورة غائبة حاضرة، الأمر الذي أدى إلى خلق حالة من الغضب والاستنكار لم يقتصر على ناشطين فحسب، بل أججت المشاعر القبلية المتعلقة باضطهاد المرأة والإصرار في اعتبارها “الممثل الأعلى” لشرف وسمعة القبيلة، وكأن ظهور المرأة في دور المبادِرة لتوفير مساحة شخصية في حياتها الزوجية، ما هو إلا نيل من شرف وكرامة القبيلة، إذ تداولت المواقع بيانًا لـ”قبيلة الزعبي في حوران وبلاد الشام والجزيرة العربية”، تتبرأ فيها القبيلة من الممثل “علاء الزعبي” المشارك في الفيلم بدور “أبو سعيد”، بسبب “ما اقترفه من اعتداء سافر وآثم على حرائر القبيلة”، بحسب البيان.
هذا الانتقاد الواسع دفع الممثل علاء الزعبي لتقديم اعتذار إلى أهالي حوران ودرعا عبر فيديو على فيسبوك، موضحاً “أن ما حدث هو سوء تقدير منه، ولم يكن يقصد الإساءة للنازحين، الذين هم أهله”.

“احترام المرأة لكيانها”
ربما كان السبب وراء الجدل الذي حصل حول الفيلم، بأنه غرد خارج السرب المنمط الذي اعتدنا عليه في تناول الدراما والسينما العربية لأزمات اللاجئين في المخيمات، والتي تركز دائما على الجانب المعيشي، متغافلة الحالة غير الإنسانية التي يعيشها اللاجئين فيما يخص الحياة الزوجية، حيث من المفترض أن التمثيل ليس إلا فعلًا فنيًا، يسلط الضوء على قضية إنسانية معيّنة وتعكسها.

لكن النقطة الأهم في الفكرة المطروحة في الفيلم -والتي غالباً تعاب المرأة الشرقية عليها- هي احترام المرأة لكيانها والدفاع عنه كإنسانة تستحق التقدير، وهذا ما أكده صنّاع الفيلم “أن الفكرة تدور حول احترام المرأة لكيانها كإنسانة، ومن حقها الحصول على الخصوصية في علاقتها الحميمة مع زوجها بعيداً عن أعين المحيطين بها، خاصة الأطفال، في بيئة يبدو ذاك الطلب شبه مستحيل، لأن أحداث الفيلم تدور في مخيمات اللجوء، والبيت هو خيمة لا توفر أي خصوصية، ومع ذلك تعمل بطلة الفيلم “صبا” على إيجاد مكان يوفر الخصوصية لها ولجميع الأزواج”.
كانت صورة معاناة حياة المخيمات واضحة بكل تفاصيلها المزرية في الفيلم، لتتسرب تلك المعاناة إلى الفراش الزوجية ويلتعن حياة أناس هربوا من هول الحرب ودماره، وخسروا كل شيء، وينتهي بهم المطاف في أحضان خيمٍ تمنع زوجين من ممارسة أبسط حقوقهم.

كسر الصورة النمطية المختزلة بالرجل
لقد استطاع الفيلم -خلال حوالي الـ20 دقيقة- تسليط الضوء على معضلة مثيرة للجدل، وقضية غير مطروحة، تتعلق بحق المرأة-مثلها مثل الرجل- في الحصول على بيئة مناسبة لممارسة علاقتها الحميمية مع زوجها، وأن باستطاعتها أن تكون المبادرة وتبحث عن حل لمعاناته في ذلك الإطار، لتكسر بذلك الصورة النمطية التي اختزلها المجتمع في الرجل؛ لأن من أكبر الاخطاء التي تقع فيها الزوجة في مجتمعاتنا، هو اعتقادها بأنها يجب ألا تكون الطرف المبادر للقيام بالعلاقة الحميمية مع زوجها. فما كان فكرة إقامة “الخيمة 56″، من قِبل الزوجات في المخيم، والعمل على تنظيم أدوار الأزواج، بحيث لكل زوجين ليلة واحدة، إلّا توجيه بوصلة المعاناة إلى موضوعٍ، لم يتجرأ أحد من قبل في طرحه، ولو كان بشكل كوميدي-تراجيدي.
ورغم حصول الفيلم على جائزة أفضل فيلم روائي قصير عام 2018 في الدورة الـ34 لمهرجان “الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط”، إلا أن التعتيم الإعلامي السوري على مشاركة العمل بالمهرجان كان واضحاً، وهذا إن دل على شيء، فإنه يدل على رفض فكرة الفيلم، وإنكار إحدى أهم حقوق اللاجئين المتزوجين وهي العلاقة الحميمة والإصرار على تأطير معاناتهم ضمن المساعدات الإنسانية، وكأن فكرة اللجوء إلى المخيمات تلغي وجود بيئة مناسبة للزوجين وإدراجها ضمن الاحتياجات الثانوية لهم، رغم أن اللاجئين –في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة- يستمرون في الإنجاب بالمخيمات.
إن إقامة “الخيمة 56” طرحت قضية كانت غائبة -أو ربما مغيّبة- في سياق الدراما والسينما السورية، وحتى في الإعلام بشكل عام، ولا بُدَّ من تدوير الفكرة، وكان وراء طرحه رسائل إنسانية مهمة في حياة كل لاجئ في جميع أنحاء العالم وليس اللاجئ السوري فقط، فالمعاناة واحدة، واستطاع أن يحاكي واقع ما يجري هناك، إلى جانب الإشارة إلى الصورة النمطية التي تشكلت نتيجة العادات والتقاليد والذهنية الذكورية التي تسود ثقافات المنطقة، حول احترام المرأة لكيانها كإنسانة، وأن من حقها الحصول على مساحة شخصية، وبيئة مناسبة للقيام بعلاقة حميمية مع زوجها، بغض النظر عن البيئة، والمجتمع، ومكان تواجدها، حيث ينبغي عدم التمسك بأفكار تقليدية تحدد أدوار الجنس بين الزوجين.

مصطفى مصطفى : كاتب صحفي

By admin-z