أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي جزءًا لا يتجزأ من حياة ملايين الأشخاص في العالم. ومنذ العام 2012، يجري البروفيسور داميان رادكليف من جامعة أوريغون الأميركية أبحاثًا حول استخدام هذه المواقع والمنصات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وينشر تقريره السنوي.

وقد نشر رادكيلف دراسته الأخيرة في آذار/مارس 2021، وهي تسلّط الضوء على استخدام منصات التواصل الإجتماعي في المنطقة، إضافةً إلى تطوّر وتغيّر هذا الإستخدام خلال تفشي جائحة “كوفيد 19″، وأبرز التوقعات لهذه الوسائل في المستقبل.

 ويشمل التقرير معلومات تهمّ الصحفيين والمحررين والمتخصصين في مجال الإعلام الذين يرغبون بالوصول إلى أعداد كبيرة من الجماهير وبمعرفة طرق واتجاهات استخدام وسائل التواصل الإجتماعي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وفيما يلي أبرز خمس نقاط وردت في التقرير:

 أولًا، ميولٌ كبيرة لوسائل التواصل الإجتماعي في الشرق الأوسط

على الرغم من الإختلاف في استخدام وسائل التواصل الإجتماعي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتباين في المدة التي يتمّ قضاؤها على المنصات، تُبيّن الدراسة أنّ المستخدمين في هذه المنطقة يقضون أكثر من ثلاث ساعات ونصف الساعة يوميًا على شبكات التواصل.

كذلك يختلف الوقت الذي يقضيه المستخدمون على كلّ منصة، إذ يمتلكون ما معدله 8.4 حسابًا على وسائل التواصل الاجتماعي ويزيد هذا المعدل إلى 10.5 حسابًا في الإمارات العربية المتحدة، وهو ما اعتبرته تقارير صادرة عن مجلة “فوربس” أنّه “أكبر عدد حسابات وسائل التواصل الاجتماعي بالنسبة للفرد على مستوى العالم”. 

توازيًا، أتى محرّك البحث جوجل، وتطبيق واتسآب وموقع يوتيوب في مقدّمة المواقع العشر الأكثر استخدامًا في العام 2020، في مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وذلك بحسب أبحاث شركة “يوجوف” (بالإنجليزية: YouGov) وهي شركة دولية مختصة بأبحاث الأسواق. ويبرز لجوء المستخدمين إلى هذه الشركات التكنولوجية مدى اهتمامهم وثقتهم بها، إلى جانب المواقع الإقليمية والوطنية.

ثانيًا، شعبية الشبكات القديمة مستمرّة

تحظى شبكات التواصل الإجتماعي الحديثة، خصوصًا تلك التي تقدّم محتوى مرئيًا بشعبية في الشرق الأوسط، لا سيما في منطقة الخليج التي تشهد انتشارًا للهواتف الذكية توازيًا مع ارتفاع المداخيل. أمّا مواقع التواصل والشبكات الأقدم مثل فيسبوك وتويتر، فهي تُستخدم بشكل كبير في شمال إفريقيا وتركيا.

وخلصت الدراسة إلى أنّ مصر، الدولة التي تعدّ الأكثر اكتظاظًا بالسكان في المنطقة، إذ يبلغ عدد سكانها 100 مليون نسمة، صُنّفت بالمركز التاسع عالميًا بالنسبة لعدد مستخدمي فيسبوك، والذي بلغ نحو 44 مليون مستخدم. وأوضحت البيانات الصادرة عن هوتسويت ووي آر سوشيل نسبة كبيرة باستخدام فيسبوك مقارنةً مع عدد السكان في ليبيا بمعدل (100%) والإمارات بمعدل (93%) وقطر بمعدل (90%).

ويواصل فيسبوك تعزيز وجوده واستخدامه في دول شمال أفريقيا، وتشمل مصر والمغرب والجزائر في مقدّمة الدول التي يتسارع فيها نموّ هذا التطبيق.

أمّا بالنسبة لتويتر، فتحتلّ تركيا المركز السادس بين أوّل 20 دولة تستخدم موقع التواصل الإجتماعي هذا، وتأتي السعودية بالمركز الثامن ومصر بالمركز الثامن عشر.

وعن الشخصيات، كشف تقرير نشرته شركة “براند وتش” أنّ الفنانة اللبنانية إليسا هي الأكثر تأثيرًا في العالم العربي على “تويتر” والشخصية العربية الوحيدة التي أدرجت في قائمة تضمّ 50 شخصية مؤثرة عالميًا على موقع التغريدات.

                           إقرأوا أيضًا:ما هو “كلوب هاوس” وكيف يمكن أن يستعين به الصحفيون في عملهم؟

ثالثًا، وسائل التواصل الإجتماعي بين العادات والسلوكيات 

يؤثّر استخدام منصات التواصل الإجتماعي على سلوكيات المستخدمين ووسائل الإعلام. وبحسب استبيان حديث للشباب العربي، تبيّن أنّ أكثر من ثلاثة أرباع الشباب في العالم العربي (حوالى 79%)  من الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عامًا يحصلون على الأخبار من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. وتُظهر هذه النسبة ارتفاعًا عن نسبة 25% التي سُجّلت عام 2015.

كذلك تساعد وسائل التواصل الإجتماعي في البحث عن نشاطات معيّنة، وتكون الوسيلة في العمل وليس استخدامها هو الهدف بحدّ ذاته. ومن المتوقّع أيضًا أن تزيد أهمية التجارة الإلكترونية والتسوق عبر الإنترنت، لا سيما بعد الضربة التي تسببت بها جائحة “كوفيد 19”.

رابعًا، ماذا عن مواقع التواصل الإجتماعي الأخرى؟

تتصدّر أربع دول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قائمة الدول الأكثر استخدامًا لتطبيق سناب شات، وهي السعودية وتركيا والعراق ومصر.

في هذا السياق، يقول مدير عام “سناب” في منطقة الشرق الأوسط حسين فريجة “إنّ عدد الأشخاص الذي يشاهدون المحتوى في ميزة الاستكشاف “ديسكفر” في سناب شات يزيد يوميًا أكثر من العدد الذي يشاهد أي قناة تلفزيونية من العشرة الأولى، وذلك قبل تفشي جائحة كوفيد 19 وخلالها”.  

كذلك فقد برز تطبيق “تيك توك” وزاد عدد متابعي المؤثرين على هذا التطبيق في الخليج بمعدل 65% بين شباط/فبراير وآب/أغسطس، وسُجّلت أعلى المشاركات في البحرين، عمان والسعودية. 

وعن يوتيوب، أوضح التقرير أنّ 70% من مستخدمي الإنترنت في مصر يشاهدون المحتوى المرئي على موقع “يوتيوب” يوميًا. كذلك فقد أطلقت الشركة خدمة “يوتيوب بريميوم”، وهي إصدار يتيح الإشتراك لحضور الفيديوهات من دون إعلانات، كما يمكن الدخول إليها من دون توفّر إنترنت، وتتيح للمستخدمين مشاهدة مقاطع الفيديو التي قاموا بتنزيلها، بالإضافة إلى ميزة “التشغيل في الخلفية”، التي توفّر استمرار تشغيل الصوت حتى إذا خرج المستخدم من موقع يوتيوب. 

                               إقرأوا أيضًا:دراسة لـ”رويترز” حول أبرز اتجاهات الصحافة الرقمية

خامسًا، جائحة “كوفيد 19” عززت أهمية وسائل التواصل الإجتماعي 

قال 57% من مستخدمي وسائل التواصل الإجتماعي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في استطلاع أُجري في شهر أيار/مايو إنهم يقضون وقتًا أكبر على هذه المنصات بسبب الجائحة.

توازيًا، قال 71% من مستخدمي الإنترنت من الذين شاركوا في دراسة أخرى إنّهم يستخدمون واتساب وتطبيقات المراسلة والدردشة الأخرى بشكل أكبر منذ انتشار “كورونا”.  في وقت أكد 75% من المستخدمين أنّ الإلتزام بإجراءات التباعد الإجتماعي كان السبب في زيادة استخدامهم لمنصات إجتماعية مثل فيسبوك وانستجرام وتويتر وتيك توك.

وبالإضافة إلى قضاء المستخدمين وقتًا أطول على مواقع التواصل الإجتماعي خلال تفشي الجائحة، إلا أنّ اللافت كان أنّ هذه الأزمة الصحية نبّهت كثيرين بأهمية هذه الشبكات الاجتماعية كمصادر للمعلومات، وبذلت الكثير من الجهات جهودًا للحدّ من “وباء المعلومات” ما وفّر فرصًا لمنظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية لاعتماد هذه المنصات بمثابة قنوات رئيسية للتواصل مع الجمهور أو المتابعين.

في هذا الإطار، أنشأ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وصندوق الأمم المتحدة الدولي لطوارئ الأطفال ومنظمة الصحة العالمية إشعارات حول “كوفيد 19” عبر تطبيق واتساب في السودان باللغتين العربية والإنلجيزية، تهدف إلى تقديم الإرشادات للمواطنين من أجل الوقاية والبقاء في أمان، إضافةً إلى إجابات على الأسئلة الشائعة، وكيفية حماية النفس والآخرين. كذلك ركّزت جهود مركز مدى في فلسطين،Tech 4Peace في العراق ومؤسسة مهارات في لبنان على الشائعات التي تنتشر على وسائل التواصل الإجتماعي مع تسليط الضوء على المصادر الدقيقة والموثوقة التي يمكن اللجوء إليها من أجل اللحصول على معلومات حول الصحة العامة. 

كما لجأت الحكومات إلى وسائل التواصل الاجتماعي ومنصاتها المتعددة وعملت مع الشخصيات المؤثرة، مثل التجربة في الأردن مع مقدمة البرامج التلفزيونية الأردنية علا الفارس لنشر الرسائل التي تهدف للتوعية من مخاطر فيروس كورونا.

وفي الخلاصة، تشير هذه النتائج والجهود المبذولة إلى أنّ منصات التواصل الاجتماعي التي باتت مصدرًا للأخبار ووجهةً للترفيه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ستبقى محطّ اهتمام الكثير من الجهات  حتى بعد انتهاء انتشار جائحة “كوفيد 19”. 

التقرير السنوي بعنوان “كيف استخدم الشرق الأوسط منصات التواصل الاجتماعي 2020” من إعداد البروفيسور داميان رادكليف وهديل أبو حميد. وهو متاح ويمكن تنزيله باللغتين العربية والإنجليزية وبشكل مجاني من خلال موقع الإعلام الجديد.

 داميان رادكليف هو أستاذ الصحافة بجامعة أوريجون الأميركية، وزميل في مركز تاو للصحافة الرقمية في جامعة كولومبيا. كما أنّه باحث فخري في كلية الصحافة والإعلام ودراسات الثقافة في جامعة كارديف، وزميل في الجمعية الملكية لتشجيع الفنون والتصنيع والتجارة. يقدّم  رادكليف كما أنه يقدّم سلسلة بودكاست عن العمل الإعلامي ويجري مقابلات صحفيين وخبراء بارزين. للإطلاع على حسابه على تويتر، إضغط هنا.  

By admin-z