يبحث الكثير من رواد المشاريع الإعلاميّة والقائمين على مؤسسات صحفيّة عن فرص للحصول على تمويل، لكن في الواقع لا توجد طريقة سحرية للتعامل مع المموّلين وإقناعهم بدعم مؤسسة ما، بل هناك خطوات ملموسة يمكن أن تتبعها المؤسسة من أجل تحسين فرص الظفر بتمويل، ومن المهم أن يتذكر أي صحفي يتقدّم بطلب للحصول على دعم مالي بأنّ عليه أن يعزّز علاقاته مع المموّلين في المراحل كافّة، أي قبل تلقي التمويل وخلاله وبعده، وفقًا لما قالته غابرييلا حديد، وهي ممثلة الإستثمار في أميركا اللاتينية، في منظمة لامينايت الخيرية العالمية.

وشاركت حديد بعض الإستراتيجيات والنقاط المرتبطة بالحصول على تمويل مع عدد من الصحفيات اللواتي لديهنّ مؤسسات إعلاميّة، وذلك خلال مشاركتهنّ في برنامج ميتيس الذي تدعمه مبادرة أخبار جوجل، للمساعدة في تطوير المهارات لدى الصحفيات اللواتي يتبوّأن مراكز متقدّمة في المؤسسات الإعلاميّة. وقالت حديد: “نحن نموّل المنظمات لكننا نهدف إلى دعم الناس ولهذا نقدّم التمويل للأشخاص”.

ورأت حديد أنّه من المهم أن يظهر الفريق الذي يعمل في مؤسسة إعلامية ما أنّ عمله متسق وأن يحظى بثقة الممولين، مشددةً على أهمية استثمار الوقت لبناء علاقة مثمرة بين الصحفي والممول.

وفيما يلي أبرز النصائح والإرشادات التي قدّمتها حديد حول الطرق التي يجد فيها الصحفيون المنظمات التي تمول المشاريع الصحفية، وكيفية إطلاق المحادثات معها والمحافظة على العلاقات مع مرور الوقت:

قبل إطلاق المحادثة.. إدراك ماهيّة التمويل الإعلامي وطبيعة المنظمات التي تموّل صحافة ريادة الأعمال

يجب أن يعرف الصحفيون ما هي أبرز المنظمات التي تعمل على المستوى الدولي وتقدّم الدعم والتمويل للمؤسسات الصحفية، والتي تشمل المجموعات الخيرية الخاصة والشركات التي تهتمّ بالاستثمار في القضايا الاجتماعية.

من أجل معرفة المزيد في بداية رحلة البحث عن تمويل، يمكن الإطلاع على هذا القسم في موقع سيمبرا ميديا، الذي يوضح مصادر تمويل الصحفيين والمشاريع الصحفية.

تحليل الإستراتيجية الشاملة وأولويات الجهة المموّلة

بعد الإطلاع على قائمة المنظمات التي يمكن أن تدعم وتموّل مشروعًا صحفيًا محددًا، وقبل أن يتقدّم الصحفي بطلب دعم إلى منظمة معيّنة، عليه الإطلاع على الدول التي تعمل فيها هذه المنظمة، ومعرفة إذا كانت تدعم الشركات الإعلامية غير الربحية أو الهادفة للربح، وإذا كانت تدعم موضوعات محددة أو لديها اهتمامات متخصصة.

ومن المهم أيضًا أن يتمكّن الصحفي من تحديد أنواع التمويل الذي تقدّمه المنظمة، فبعض المنظمات تقدّم تمويلًا أوليًا لمشروع صحفي معين، والبعض الآخر يفتح باب التقديم إلى برامج منح، وتتطلّع بعض المنظمات إلى الإقتراحات الإستراتيجية.

ويجدر بالصحفي أيضًا فهم المبادئ التوجيهية لكل منظمة، حتى يُدرك إمكانية وجود فرصة لتزدهر العلاقة بين المؤسسة الإعلامية أو المشروع الريادي الذي يسعى لتطويره من جهة، والممولين من جهة أخرى.

إعداد الخطة أولًا

قبل التواصل مع الجهة المموّلة أيضًا بشكل رسمي أو غير رسمي، أو التحدث مع ممثلي المنظمة وجهًا لوجه، أو إرسال عرض مكتوب إلى المنظمة، لا بدّ أن يعدّ الصحفي عرضًا يقدّم الفكرة التي يعمل عليها بشكلٍ واضح ويمكن أن يحظى بإعجاب المموّل.

إقرأوا أيضًا: تقرير يكشف الجهود الهادفة لتمويل المؤسسات الإخبارية خلال “كوفيد 19”

خلال صياغة الصحفي مقترحًا من أجل الحصول على تمويل، لا بدّ أن يتضمّن النقاط التالية:

-ما الذي يخطّط له عند الحصول على تمويل: في هذه النقطة يُمكن أن يذكر الصحفي زيادة إشراك الجمهور، زيادة الفريق الإعلامي، تطوير مصدر دخل جديد.

– أن يوضح الصحفي ما الذي يميّز مؤسسته الإعلامية أو مشروعه الريادي عن الشركات الإعلامية الأخرى.

– أن يقدّم الصحفي شرحًا مفصلًا للمبلغ الذي يحتاجه وكيفية تخطيطه لتقسيم الميزانية بحسب الأهداف التي وضعها مسبقًا.

– أن يقدّم الصحفي وصفًا للفريق العامل في المؤسسة الإعلامية، ويشمل الوصف تحديد عدد النساء في الفريق، من يرأس الفريق وما هي الخطوات التي اتخذتها المؤسسة الإعلامية لتعزيز الشمولية وعمل الفريق.

-أن يوضح الصحفي أبرز الإنجازات التي حققتها المؤسسة وكيف تأسست وتطوّرت.

-بحال كانت المؤسسة الإعلامية شركة هادفة للربح، يتعيّن على الصحفي أن يقدّم تقييمًا ماليًا واضحًا ويتضمّن المستثمرين ومسار المفاوضات.  

-يجب على الصحفي أن يشرح كيف سيتمّ قياس تحقيق الأهداف في منتصف المشروع الإعلامي وفي آخره، وكيف سيؤثّر التمويل بالمشروع الريادي.

صياغة المقترح للحصول على دعم مالي بشكل صحيح ومناسب

 على الصحفي ألا يبالغ في الوعود عمّا بإمكانه تحقيقه بحال حصل على التمويل الذي يسعى إليه، لا سيما وأنّ المموّلين يدركون النظام الإعلامي والفرص المتاحة وحدود ما يمكن تحقيقه بحسب المبالغ وأنواع التمويل. ومن أبرز العناصر لتعزيز الثقة مع الممولين هو أن يفي الصحفي بوعوده وينفذها.

التحلي بالشفافية بشأن تحديات المؤسسة أو المشروع

لا بدّ أن يوضح الصحفي أبرز التحديات التي يواجهها للجهة المموّلة، قبل أن يتفق معها ويحصل على دعمها.

عن هذه النقطة وبما أنّها تعمل في منظمة ذات طابع خيري، تقول حديد: “لا نتطلع إلى تمويل مشروع مثالي، لأننا ندرك عدم وجود مشروع متكامل من دون صعوبات، ونحن نسعى إلى تحسين وتطوير عمل الصحفيين ومشاريعهم الإعلامية التي ندعمها، ولهذا السبب، من المهم أن يظهر الصحفيون نقاط ضعفهم حتى تتمكّن الجهات المموّلة والمنظمات من مساعدتهم في التغلب على التحديات التي قد يواجهونها”.

إنطلاق المحادثات مع المنظمات والجهات المموّلة

مشاركة معلومات حول أعمال المؤسسة بصراحة وصدق مع المموّل

تعتبر مشاركة المعلومات حول الأعمال والشؤون الداخلية للمؤسسة الإعلامية، مع الجهة المموّلة أمرًا في غاية الأهمية، لا سيما عند مناقشة استدامة نموذج أعمال معيّن للمؤسسة، وحدود التطوّر والمجالات المحتملة لذلك.

ومن المفيد أيضًا التطرّق إلى الشؤون المالية للمؤسسة بشكل عام، وتجاوز الحديث عن الهبات والتمويل المحدد الذي يحاول الصحفي الحصول عليه، كما على الصحفي أن يوضح للجهة المموّلة أبرز التحديات التي واجهها، بما في ذلك عمل الموظفين، حالات المضايقات والصعوبات في جهود الدمج. فبحال لم يكشف الصحفي هذه المشكلات حتى وقت متقدّم في عملية التمويل، يمكن أن تفقد المؤسسة الإعلامية ثقة الجهة المانحة.

وضوح واتساق مقترحات التمويل بحال تقديمها إلى منظمات مختلفة

في بعض الأوقات، يتقدّم الصحفي بطلبات دعم وتمويل من مؤسسات مختلفة، ولهذا لا بدّ من أن يلتزم بالوضوح عندما تكون الطلبات متعلّقة بنفس الموضوعات أو المشاريع. وعند تقديم الطلب لكلّ جهة مموّلة، يجب أن يحدّد الصحفي بوضوح المبلغ الذي يحتاجه وطريقة التخطيط لصرفه. ويساعد الوضوح وتقديم المعلومات أحيانًا لأحد المموّلين في تسهيل أو تسريع المحادثات مع مموّل آخر، ففي عملية تحليل المواقع الإعلامية لكي تتلقى التمويل، غالبًا ما تتواصل المنظمات المموّلة مع بعضها البعض.

استمرار التواصل مع المموّلين بعد الحصول على تمويل

على الصحفي أن يستمرّ بالتواصل مع المموّلين، حتى في المرحلة التي تلحق بحصوله على الدعم المالي لتطوير مشروعه، كي تبقى الجهة المموّلة على اطلاع بجميع المعلومات المتعلّقة بالمشروع الريادي وأن تعرف ماذا يحدث في المؤسسة الإعلامية من الصحفي بشكل مباشر، وليس فقط من خلال عناوين الأخبار أو منصات التواصل الاجتماعية أو عبر المحادثات غير الرسمية مع أشخاص آخرين في عالم الإعلام.

خلال مرحلة ما بعد التمويل

إنشاء جدول يتضمّن المواضيع التي يخطط الصحفي لأن تغطيها المؤسسة الإعلامية على المديين المتوسط والطويل.

ولا بدّ أن يتحلّى الصحفي بالصدق مع نفسه ومع مؤسسته، ولا يتلهّى ببعض المواضيع الآنية فقط من أجل تلقي التمويل، لا سيما وأنّ تقديم عمل جيد وله فائدة يعدّ أمرًا أهمّ من تغطية المواضيع الشائعة فقط، بالنسبة للمموّلين. كما أنّ التقارير العميقة تساهم في إحداث تأثير دائم على الجمهور، وتوفير رؤية لكل من الفريق الإعلامي والمؤسسة.

تحديد التأثيرات النوعية والكمية للمؤسسة وللتقارير المنجزة

على الصحفي التأكد من تقديم السياق المناسب والواضح، وعن هذا الأمر، تتوجه حديد للصحفيين وتنصحهم بالتدقيق بنتائج العمل وتوثيق تأثير التقارير المنجزة، حتى لو استغرق توثيق التأثير وقتًا، إلا أنّه عنصر مهمّ يجذب انتباه المموّلين. وشددت حديد على أهمية “استخدام المهارات في السرد القصصي لتسليط الضوء على الإنجازات والتأثيرات، والتوضيح للممولين كيف غيرت المؤسسة وتقاريرها حياة شخص ما.”

وأوضحت حديد أنّ صياغة مقترح التمويل وتفاصيله يجب أن تكون واقعيّة وتحقق التوازن بين حجم الفريق الإعلامي والموارد المطلوبة في المقترح، إضافةً إلى توضيح التأثير الذي يسعى الفريق إلى تحقيقه بعد الحصول على التمويل، وفقًا لما أوضحته حديد. فعلى سبيل المثال، بحال كان الفريق العامل في المشروع الإعلامي كبيرًا ويمكنه تحقيق إنجازات وتأثيرات كبيرة، وطلب الصحفي الذي يقود المشروع تمويلًا قليلًا لإنجاز الخطط الإعلامية، فلن يكون المقترح متسقًا ومناسبًا. ولفتت حديد إلى أنّه “في الوقت الذي تتقدّم الكثير من المؤسسات الإعلامية بمقترحات للحصول على تمويل من المنظمات، فإنّ تركيز الجهات المانحة لا يكون مرتبطًا بالمشاريع التي تنطوي على مخاطر، بل بمقترحات المشاريع التي تفتقر إلى الاتساق والتناسق”.

By admin-z