خضر الجاسم

تناول الصورة النمطية للمدخول الإنتاجي المالي للمرأة حديث ذو شجن. فالمرأة صانعة الحضارة منذ غابر الأزمنة باتت هذه الأيام عالة على المجتمع لفقدانها العدالة الاجتماعية والمساواة، خاصة فيما يتعلق بحصولهنّ على رواتب متساوية مع الرجال واستغلال أجورهن من النظام الأبوي، وعدم تبوئهن مناصب قيادية والمشاركة في صنع القرارات والقوانين.

الاستدارة التاريخية لإنجازات المرأة
شكلت المرأة منذ قرون ما قبل التاريخ مصدر إلهام ورمز للخير والنماء، إلا أن هذه الصورة تبدلت لمّا استغل الكهنة والرهبان كل الظروف المواتية لدفع الشامان بانقلاب على قداسة المرأة، وجعلها في الطبقة الدنيا في معبد الزيقورات.

نسفَ الرجل أعظم ما أنجزته المرأة في تلك الحقبة من مثل وقيم متمثلة بالثورة الزراعية، إضافة إلى وضع أسس الاقتصاد الكومينالي وبراعة فائقة في الإدارة والطب والفلك. ومع مرور الوقت اتخذت النمطية تجاه المرأة شكل وصاية للرجل الذي نسب كل إنجازات المرأة له لا بل ووظف الإمكانات من أجل ضمان استغلالها أفضل استغلال، وتسخيرها طوع يديه وإخراج مظاهر العدالة الاجتماعية في النظام الاجتماعي الطبيعي، الذي كان سائداً آنذاك إلى دور جديد يتمثل في أدوات مجتمع نظام الحداثة الرأسمالي.

لم يكتفِ الرجل من إجراءات احتيالية وماكرة تتمثل بسرقة الماءات المائة وأربع بل عمل على تسخير جهد المرأة لصالحه؛ من أجل كسب المزيد من فائض الإنتاج والذي على الرغم من إيجابياته في ذلك الوقت فإنه انعكس بسلبياته المتعددة على حياة المرأة، التي وجدت نفسها تحت وصاية الرجل اقتصادياً، فإذا ما رفضت الإجراءات فمصيرها التضييق النفسي أو الطرد أو الزواج بامرأة أخرى تؤدي ذات المهام الوظيفية.

تمييز الأجر على أساس الجنس
ما حصل في الأمس البعيد من اضطهاد واستغلال يتكرر في الوقت الحاضر وربما بشكل منقطع النظير، فلم ينفع التطور المتسارع الذي تشهده مختلف مناحي الحياة، خاصة فيما يتعلق بالحقوق والحريات التي باتت على المحك نتيجة منع المرأة من تحقيق استقلالها الاقتصادي، ومشاركة الرجل بالإنفاق على نفسها أو على أسرتها دون النظر لأي اعتبارات أخرى.

يعني الذكر للأسرة وفق العرف السائد (السطوة- المال- الجاه) بخلاف الأنثى التي تعني (الفقر- الضعف- الهمّ)، وهو ما يعني تمايز في النوع الاجتماعي إلى درجة أقنعت المرأة بأنها لا تستطيع أداء الوظيفية، التي يؤديها الرجل مهما كانت سهولتها، كونها ضمن مسؤوليات الرجل لا بل باتت تقتنع أن لها أعمال خاصة بها دون الرجل، ما أدى إلى انخفاض نسبة الأجور التي تتقاضاها المرأة مقارنة بالرجل، حيث يمكن اعتباره استغلال أو ما يشبه العبودية على حساب جسدها لو بأي ثمن.

إحدى الممرضات العاملات في مركز للتحاليل الطبية تقول: ”تعرضت للتمييز بالأجر لمجرد كوني امرأة حيث يخضع الأجر على أساس الجنس لا الكفاءة والعمل الجاد“. وتضيف: ”رئيس القسم لم يساوِ بين الأنثى والرجل في الرواتب بحجة أن لدى الأخير التزامات مادية أكثر وهو الأجدر بزيادة الراتب لأنه ذكر ومسؤول عن عائلة“.

لا استثناء من القاعدة
أدى تحديد نوع الاجتماعي للأعمال بين الجنسين إلى تكوين الصورة النمطية في العرف الاجتماعي حول تقسيم الأعمال فيما بينهما، واختصت المرأة بالأعمال المنزلية التي أصبحت جزءاً من حياتها سواء ما قبل الزواج أم بعده، بحجة أن الأعمال التي خارج البيت لا تليق بوظائف المرأة البيولوجية أو تحملها لمشقة هذه الأعمال الصعبة.
ويبدو من هذا التشديد بأن الأعمال التي تناط بالمرأة هي التي ترتبط ارتباطاً عضوياً بها وتتلاءم –بحسب الاعتقاد- مع طبيعتها وتنطبق مع ميولها كالتعليم والصحة والزراعة والأعمال المكتبية الأخرى، أما غير ذلك من الأعمال فيعد وفق العرف الاجتماعي السائد إهانة للمرأة بكل المقاييس، ولو كانت تمطر ذهباً ومن تعمل بها تصنف ضمن دائرة مخالفة الإجماع أو خروج عن الاستثناء العام.
لما حدد النظام الأبوي نوعية العمل الجندري للمرأة بحكم الوصاية من قبل (الأب أو الأخ أو الزوج) تجلت هيمنته على كل شؤون حياة المرأة حتى فيما يخص شكل العمل والنوع والأجر. وإذا ذهبنا إلى أبعد من ذلك فجميع الأنظمة والتشريعات والقوانين تمارس على المرأة ذات الأسلوب السلطوي الشاذ، فكلما حاولت المرأة الخروج من حفرة صغيرة وقعت في حفرة أكبر منها وهكذا دون خلاص.

في جلباب الاستيلاء والاستغلال
الأمم المتحدة أشارت في تقرير لها إلى أن الفروقات المهنية بين الرجال والنساء لم تشهد تراجعاً فعلياً منذ ربع قرن، واعتبرت أن هذا الوضع لن يتغير ما لم يتولَّ الرجال مزيداً من المهام المنزلية.
ومنذ نشأة المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان في القرن المنصرم بما في ذلك المواثيق والمعاهدات الخاصة بالمرأة، لم يلحظ أي تغيير يذكر في منطقة الشرق الأوسط على مستوى الأحوال الشخصية أو العدالة الاجتماعية أو ضمان معاملة النساء والرجال على قدم المساواة في أماكن العمل، التي في أغلب الأحوال يتم فيها تمييز بين الجنسين، والتي تكاد لا تخلو من تحرش أو استغلال أو مضايقات وجميعها تصب في خانة التمييز أو الاستصغار.
ومن هنا، يسمح النظام الأبوي للمرأة بالعمل وفق شروطه هو مقابل أن يستولي على أتعابها فيما قد لا تحصل المرأة من الجمل سولى أذنه وفي كثير من الأحيان تعود بخفي حنين. يكثر في الأرياف أن تقوم النساء بحراثة أو سقاية أو شتل أو حصاد أو جني الأرض، ويحدث كثيراً أن يستغل كدح المرأة بمختلف الطرق. فمثلاً نجد ممرضة تعمل عند طبيب مقابل أجر قد يصل إلى 100 ألف ليرة سورية بالشهر الواحد، بينما تكتظ العيادة بالمرضى وهذه صور تتكرر في محال لبيع الملابس والإكسسوارات وغيرها.
تفرض العادات والتقاليد الاجتماعية على أرباب العمل النظر إلى مرتبات الرجال بعين الاعتبار على النقيض من النساء اللاتي لا يحملن أي تمييز بهذا الأمر وهو ما يدعوهم إلى دعوة طلبات التوظيف للإناث أكثر من الذكور وذلك؛ لتدني أجورهن المالية على الرغم أن الإنتاج أو الخبرة أو المؤهل العلمي متماثل بين الجنسين.

ماذا ينبغي لإنصاف المرأة؟
تشير منظمة العمل الدولية في تقرير لها هذا العام، قالت فيه مديرة دائرة ظروف العمل والمساواة بالمنظمة، مانويلا توميي بإن: هناك عوامل عدة تمنع المساواة في الوظيفة بين الجنسين، أكثرها تأثيراً موضوع رعاية الأطفال، إذ أنه وفي السنوات العشرين الأخيرة لم يتراجع الوقت الذي تكرسه النساء لرعاية الأطفال والمهام المنزلية، فيما ازداد الوقت الذي يكرسه الرجال في هذا المجال بثماني دقائق فقط.
ولا تتمتع المرأة في منطقة الشرق الأوسط إلا بنصف الحقوق القانونية، التي يتمتع بها الرجل في المجتمعات الأوروبية. وللحد من استغلال المرأة وكضرورة لتحقيق المساواة في الأجور، يمكن التركيز على عدد من القضايا التي يتعين القيام بها لتأسيس قاعدة صلبة لدعم المرأة للخروج من قوقعتها وفق الآتي:
إصلاح شامل وجذري لمنظومة الأجور من أجل تحقيق العدالة والمساواة ترعاها منسقيات أو اللجان أو مجالس المرأة، تتضمن مراجعة الفجوة النوعية في الأجور وطرح الإجراءات اللازمة للقضاء عليها.
إجراء البحوث والدراسات التي تحدد أي الأنماط التنموية هي الأنسب لتحسين منظومة الأجور في الشرق الأوسط، ومن ثم سد الفجوة بين الجنسين.
إصدار تشريعات ناظمة لضمان حقوق المرأة من مثل: رفع القيود عن قدرة النساء على العمل ليلاً وإلغاء أيضاً أحكاماً تعطي السلطة المختصة صلاحية حظر أو منع النساء من العمل في وظائف أو صناعات مُعيَّنة وحماية النساء من العنف الأسري ويقضي بتيسير الحصول على الائتمان للنساء بحظر التمييز ضد المرأة في الخدمات المالية.
تبوأ مناصب قيادية في كافة المجالات خاصة السياسي منها والعسكري، الذي من شأنه تشكيل ركيزة أساسية للمرأة للبناء عليها كأرضية في مجالات أخرى، والتي تسمح بالمشاركة الحقيقية للمرأة في صنع القرار.
خضر الجاسم: كاتب صحفي

الصورة تعبيرية من النت

By admin-z