الحقيقة هي أولى الضحايا حين تقع الحروب”، قالها السيناتور الأميركي “هیرام جونسون” في زمن الحرب العالمية الأولى ولم تفقد صلاحيتها بعد.      

في محاضرتها عن صحافة السلام بقصر “الأونيسكو” في بيروت، قالت المديرة السابقة للوكالة الوطنية للإعلام في لبنان لور سلیمان إنّ الصحافة هي سيف ذو حدين. من الممكن أن تكون أداة هدم وإشعال فتنة بين أبناء الوطن الواحد، عبر الإفراط في الإثارة وتشويه الحقائق ونشر أخبار مغلوطة وغير دقيقة، وتفضيل السبق الصحفي على اعتماد الدقة والموضوعية في نقل الخبر. وفي المقابل يمكنها أن تكون صحافة مسؤولة تحترم المعايير المهنية والأخلاقية وتلتزم بالمسؤولية الوطنية في نقل الخبر، وهذه هي صحافة السلام.

ومن هنا تتجلى أهمية قضية الصحافة الحساسة للنزاعات التي طرحها الدليل المنتج بواسطة معهد صحافة الحرب والسلام.

قصص الحرب يجب أن تكون قصص الإنسان لا السلاح. يجب أن تحضر الحياة بكل تفاصيل التغطية الصحفية والإعلامية، تركز على المظاهر التي قضت عليها الحرب بدلاً من الحديث عن تقدم عسكري هنا أو هناك، فالتغطية الحساسة هنا هي التي تتناول قضايا المناطق المحاصرة من حيث معاناتها لا من حيث طريقة اجتياحها.

الصحفي كضحية

تترك الحرب بصماتها على الصحفي الذي يغطيها لمدة طويلة، وتصبح قصصه عنها مبنية على ما تأثر به، فالصحفي يتحوّل من دوره کناقل للخبر إلى ناقل لموقف ومشروع دون وعي، وينتهي متبنيًا لمشروع سیاسي بعينه، ليصبح لضحية لهذه الحرب.

  • لا توجد قصة تستحق الموت من أجلها. المتحاربون ينظرون إلى الصحفيين كجسم واحد، وبالتالي أنت لا تعرض نفسك فقط للخطر، بل جميع الصحفيين المتواجدين معك.
  • احرص على لغتك وموضوعيتك.
  • اتخذ إجراءات السلامة الشخصية، ارتدي خوذة معدنية ونظارات خاصة ودرعًا واقيًا من الرصاص، وضع إشارة صحافة (PRESS) بشكل واضح.
  • لا يجب أن يتنقل الصحفي في مناطق النزاعات ضمن مواكب عسكرية، أو على متن آليات عسكرية.

خطاب الكراهية وخطورة المصطلحات

“عرفته من رائحته، فجميعهم لديهم نفس الرائحة، رائحة بشعة تشبه رائحة الموت”

خطاب يفتقر إلى أبسط القواعد العلمية، واحترام الخلفيات وحرية المعتقد.

فذکر شخص ما وربطه بمعتقده وبالتبعية بكل من يتبع نفس المعتقد، هو تعميم يحمل الكثير من العنصرية والكراهية، ويساعد على نفي الصفات الإنسانية عن هذا الشخص، ما يجعله معرضًا وفق منطق “الجماعات التكفيرية” لإهدار دمه.

تبقى المصطلحات خارج السياق من أكثر المسائل المثيرة للحساسيات، ومن خلال التمييز بين المصطلحات تتضح السيناريوهات المحتملة للقصة الصحفية. مثلاً هناك فارق جوهري بين “أصيب فلان بطلق ناري” و”تعرض فلان لمحاولة اغتيال”.

تجنب:

  1. الاكتفاء بنقل وجهات نظر الفرقاء المتحاربين فقط.
  • ينبغي سؤال الناس العاديين.

2- تبني وصف فرقاء لطبيعة ما يحصل وفق مواقف كل منهم.

  • لا بد من البحث عن رأي المتضررين.  

3- التركيز فقط على نقاط الخلاف.

-لا بد من نقل نقاط التقارب التي يمكن البناء عليها.

4- نقل معاناة طرف واحد من أطراف النزاع ومخاوفه.

  • انقل مخاوف الطرفين ومعاناتهما.

5۔ اعتماد توصیفاتك الخاصة في سرد ما حدث.

  • دع الأشخاص يصفون ما حدث معهم.

6- اعتماد اللغة المشحونة بغير مكانها.

  • لا تخفف من حجم المعاناة ولكن استعمل اللغة بحذر.

7- وصف الجهات المتحاربة بمتطرفة أو إرهابية أو تكفيرية.

  • هذه التوصيفات تصعب أمر التفاوض والتحاور مع هذه المجموعات لاحقًا. أوصفها كما تعرف عن نفسها.

8- تحويل الرأي إلى وقائع.

  • إن أدلى أحدهم برأي يجب نسبه إليه، لا الخلط بينه وبين الوقائع.

9- نقل قصص المعاناة وإغفال قصص النجاح وتحدي المصاعب.

  • هناك الكثير من القصص التي تثير الإحساس بالفخر حتى في زمن الحروب.

الدقة والوقائع كأساس للأخبار

“كنا نستعد لتناول الطعام في الصباح، حين سمعنا صوت سيارة عسكرية في شارعنا. وقفت خلف ستارة النافذة لأتبين ما يحصل. رأيت ۱۰رجال مدججين بالسلاح في منزل جارنا. كانوا يطاردون من في المنزل من غرفة إلى غرفة. جارنا كان يرجوهم عدم اعتقال ابنه الأصغر، ولكنهم اعتقلوا الجميع. خرجوا ومعهم أبناء جارنا، خمستهم. لم يرجف جفن المسؤول عنهم حين رجته والدتهم أن يترك أبناءها. وضعوهم في السيارة وذهبوا كما أتوا”.

هل يمكن تبين الخلل في هذا النص؟، هل يمكن الركون إلى هذه القصة؟، وإن أردنا تحريرها..مما يجب أن نتحقق؟

في الأغلب تكون بعض الأحداث واقعية، لكنها ترد في سياق قد يدفع للتشكيك بها.

الملاحظات الواجب التوقف عندها في هذا النص عديدة، ومنها:

  • الإشارة إلى صوت سيارة عسكرية (كيف تم تمييزها؟ هل السياق بحاجة لتوضيح؟)
  • أي نوع من السيارات هي؟ (التي تقل 10 أشخاص مدججين بالسلاح، مضاف إليهم 5 معتقلين، ماذا عن السائق والمسؤول هل هما ضمن العدد المذكور أم لا؟ هل هي سيارة نقل كبيرة؟ أم أنه تم نقلهم بسيارة أخرى؟ أو تمت المداهمة بأكثر من سيارة؟)
  • كيف تمكنت راوية القصة من رؤية الجنود من خلف نافذتها يطاردون أفراد العائلة من غرفة إلى غرفة؟! وكيف تمكنت من سماع ما دار من حوارات؟

(إن أخبرهم الجيران بوقائع ما حصل، لا بد من الإشارة والتوضيح وإلا سيبدو الأمر وكأن راوية القصة ترى من خلف الجدران وتتمتع بسمع خارق).

مقابلة الضحايا ومن هم في حالات الصدمة

عقب الهجمات الانتحارية التي تعرضت لها العاصمة بيروت، ظهر أحد المراسلين يسأل طفلاً مصابًا في المستشفى عن حاله وشعوره بعد وفاة والدته وأقاربه! الطفل المصاب الذي غطت وجهه الضمادات كان يجيب على الأسئلة من دون إدراك حقيقي وبصوت متقطع مصحوب بالبكاء.

هذه النماذج من المقابلات الصحفية تستدعي السؤال عما أضافته هذه الأسئلة للمادة الصحفية؟ هل وفرت معلومات حقيقية مفيدة؟ وماذا لو لم يتم عرض هذه المقابلات هل كان الموضوع سيتغير؟

  • التعامل بحساسية مع عملية نقل الأخبار لمن يعيش داخل النزاع لا يقل أهمية عن نقل الأخبار لمن هم خارجه.
  • نقل معاناة من هم في حالة الصدمة مسألة غاية في الدقة.
  • من هم خارج تأثير الصراع  يريدون صورة واقعية وحقيقية عما يحدث، لكن هذه الصورة لا بد لها من معايير تراعي تأثيرها على الضحايا أنفسهم.
  • أجمعت آراء الخبراء النفسيين على ضرورة تجنب مقابلة الأطفال ضحايا الصدمات، حتى لو تم الحصول على موافقة ذويهم. ومن الأفضل في حال كانت المقابلة ضرورية ألا تكون مباشرة عقب الحادثة.
  • قبل مقابلة أي ضحية وخصوصًا الأطفال ضع في الحسبان أولاً حتمية عدم تعريضهم للأذى من خلال سؤالهم عن وقائع ما شهدوه من عنف، وإعادة معايشة نفس التجربة.
  • لا تضع أسئلة توجيهية. من الأفضل سؤالهم: ماذا سمعتم؟ أو ماذا حصل؟
  • إن كنت تقابل طفلاً، لا تخاطبه من أعلى، لا تنحني نحوه، بل انزل إلى مستواه، على مستوى نظره.
  • لا تقاطع الضحية إن استرسلت بالكلام ولا تستعمل لغة معقدة أو مصطلحات علمية أو اختصارات. في حالة الصدمة قد لا تكون الضحية بكامل وعيها وإدارتها.
  • دع الضحية تصيغ روايتها وحدها، لا تدفعها لقول ما تريده أنت، ولا تقدم مصطلحات أو كلمات محددة لتتبناها الضحية.
  • من الضروري في كل الأحوال الحصول على إذن من الأهل للمقابلة. احترم رغبة الطفل أو الأهل بعدم الكلام.
  • أبلغ الأطفال أو الأهل عن كون المقابلة ستنشر. کن واضحًا في هذا المجال، لأن بعضهم يكون غير مدرك لمسألة النشر والتعليقات وردود الفعل.
  • من الأفضل إجراء المقابلة بوجود أحد أفراد العائلة، وبعد مراجعة طبيب نفسي.
  • ابحث عن مكان هادئ لإجراء المقابلة، بعيدًا عن الضجيج أو مسرح الأحداث.
  • لا تسلم بكل ما جاء في مقابلة الضحية، وقارن بين الأقوال والوقائع والشهادات الأخرى لمطابقتها.

By admin-z