عزالدين ملا

يعتبر الجنس الذكوري الشرقي – فيما يتعلق بالجندر- أن هذا المفهوم جاء للقضاء على مجتمعاتهم، وعلى العادات والتقاليد، فقط ليرووا ظمأهم الذكوري، في حين يعتبرونه انتقاصًا من ذكوريتهم. هذه العقلية الذكورية الأنانية يُدخل المجتمع الشرقي في متاهات العبودية، ويفتح المجال أمام انهيارات مستقبلية خطيرة لا يمكن ضمان عواقبه، دون أن يعلموا أن الأنثى هي نفسها من غرست تلك العقلية الذكورية في المجتمع الشرقي.

بالعودة إلى الحالات التي تمَّ ذكرها في مقالتي السابقة، والتي تجعل من المرأة الشرقية ضحية المجتمع الذكوري، من استغلال الرجل لجهد المرأة لمآربه الاقتصادية، ودفعها إلى العمل في الأعمال القاسية التي تحتاج إلى مجهود كبير، إضافة إلى الأعباء المنزلية الكثيرة مع تربية أطفالها، أمام إبراز الذكر لرجوليته في القبيلة أو العشيرة. إلى تحكُّم الرجل بمصير زواج المرأة ضمن عادة الحيار.

وهنا، في هذه المقالة سنركز على قضيتين مهمتين، الأولى تجعل من المرأة ضحية نفسها وتُطلق للرجل العنان في التحكم والتسلط، ومن ثم سيكون الحديث عن النقطة الأهم التي تؤدي إلى تلك الحالات وحالات أخرى في مجتمعاتنا الشرقية، التي تقلل من قيمة وشأن المرأة، والسبب الرئيسي الذي يؤدي إلى ذلك هي المرأة ذاتها، هي من ترسخ المفهوم الذكوري في المجتمع، هي التي تساعد الرجل على ترسيخ هذا المفهوم، وتعطيه البيئة الملائمة لترسيخ مفهوم أحادية القطب في المجتمع الشرقي.

معاملة المرأة معاملة القُصر
م ع، جارتي الخجولة والبريئة ذات 16 عامًا، كانت تخرج فقط برفقة أمها، التي تمنعها من الخروج وحدها، وأفهمتها أن المجتمع غول رهيب، لذلك كانت تخاف الخروج، فقد كانت فسحتها إما مرافقة أمها أو الوقوف خلف باب منزلها المطل على الشارع فقط، ترمق بنظرات الحيرة للمارة من خلال إخراج رأسها قليلًا. على الرغم من ذلك عشقت ابن الجيران، وبادلها نفس الشعور، ولكن دون اللقاء والمحادثة بشكل مباشر، كان الحب المتبادل بينهما عن طريق النظرات.

في أحد الأيام تقدم ابن عمها للزواج بها، فأخبرت الفتاة حبيبها بعد أن رفضت طلب ابن عمها، فتقدم حبيبها رغم أنه يملك من ميِّزات يفوق الابن العم، ولكن بحكم عادة الحيار تمَّ تزويجها لابن عمها أمام بكائها وضعفها، وكانت المصيبة بعد عام من زواجها وإنجابها لطفل، قرر ابن عمها الزواج مرّة ثانية، هي رفضت في البداية ولكن زوجها وضعها أمام خيارين إما الموافقة والسكوت أو طلاقها وإرسالها إلى بيت أهلها. هنا طلبت الطلاق وذهبت إلى بيت أهلها وتركت طفلها. لم تنتهِ القصة هنا، ابن العم تزوج من فتاة أخرى، أمّا هي أصبحت محور لوم وعتاب من أمها وأخواتها على تركها لبيت زوجها. أمام هذا العتاب واللوم عادت الفتاة إلى بيت زوجها وهي ذليلة خنوعة ضعيفة الإرادة، جاءت إلى بيت زوجها لتتلقّى الإهانة من زوجها الذي هو ابن عمها وهو يتفاخر برجوليته أمام أصدقائه أنه فحل ويستطيع الزواج من مثنى وثلاث ورباع، معتقدًا أنه قد حقق انجازًا كبيرًا.

هنا يمكننا أن نسلط الضوء على منحيين، الأول، هو ابن العم وحسب العرف والعادات الشرقية فإنه يكون الحامي والوصي لابنة عمه التي هي زوجته، لا أن يتزوج عليها، إن رفضت يُطلقها. والمنحى الثاني، هو قضية الطلاق وصعوبتها على ابنة عمه، وعتب الأهل عليها لأنها هي من أوصلت الأمور إلى ذلك الحد، دون أن يلوم أحد ابن العم فقط وحسب أعرافهم أن كل ما يفعله الرجل هو من حقه ولا يُعيبه شيء.

للتعقيب على هذه القضية: أولاً، أرى أن من ضمن الأفكار السلبية في مجتمعاتنا الشرقية أنها تعتبر الطلاق عيب في حق المرأة؛ لأنها تُتَهم إما بخراب بيتها بيدها أو بسوء أخلاقها، وتحمّل المرأة المطلقة المسؤولية في الطلاق حتى ولو كان الحق في صالحها، فالعادات والتقاليد والتنشئة الاجتماعية تحتم على المرأة أن تتحمل.

عندما يقع الطلاق تكون المرأة أمام حالتين؛ إما أن تكون مستعدة نفسياً ومادياً للطلاق، وبالتالي لن تكون هناك أي مشاكل وعقبات، وإما أن يقع الطلاق بشكل مفاجئ ومن دون مقدمات، ومعنى ذلك أن المرأة ستقع في مأزق وتواجه العديد من الصدمات مع المجتمع اقتصادياً، وأخيراً، وهي الأهم، العقبة النفسية والعاطفية.

ثانياً، اعتقد أن المرأة دائماً ترى نفسها ضحيّة رغم أنها هي من وضعت نفسها في هذا الموضع، وتريد أن تكون ضحيّة ذكورية. وخاصة أثناء وصول الأنثى إلى عمر الزواج، تحاول الأم في البداية بكل السبل تزويجها، وعندما تكبر إلى سن معين تبدأ الأنثى في البحث عن ذكر، ويكون ابن العم المكان الآمن والحامي أكثر من الغريب حسب اعتقادها، وخاصة حين يصبح عمر الفتاة فوق الخامسة والعشرين، بسبب الخوف الذي تمّ زرعه من قبل أمها الأنثى في قلبها، أنها إذا تخطت هذا السن ستصبح عانسة، ولذلك لن تعود تفكر في شيء سوى الزواج، أيٍّ كان ذلك الذكر، حتى وإن كان غير مناسب، فقط همّها الزواج والتخلص من نظرة المجتمع لها بأنها عانسة.

المرأة في المجتمعات الشرقية تعامل معاملة القاصر والمعتوه الذي لا يستطيع اتخاد قرار يخص حياته وحده، دائماً لديها ولي أمر وصيّ عليها من أبيها إلى أخيها إلى زوجها، المهم أن يكون هناك ذكر يُسيّرها إلى ما يرغب ويريد.

الحرمان من الميراث يرسخ الصورة النمطية عن المرأة بأنها تابعة للرجل
إحدى النسوة من شرقنا، التي كانت عائلتها تمتلك من الأراضي ما يكفي الجميع، ولكن تنازلها عن حقها في الميراث لإخوتها الذكور، بحجة أن الأولاد الذكور هم الذين يستحقون ذلك أمّا البنات يتزوجنّ من الغرباء ولا يجب أن يذهب الإرث إلى الغرباء حسب اعتقادهم. أما الآن وبعد كل هذه السنوات اقتنعت تلك المرأة أنها ظلمت نفسها وظلمت أولادها بحرمانهم من حصتها في الميراث، التي كان من الممكن تحقيق شيء من مستقبلهم.

من المعلوم أن حرمان المرأة من الميراث يرسخ ويعزز الصورة النمطية عن المرأة في المجتمع الشرقي بأنها تابعة للرجل، وإبعادها عن ممارسة الدور الحياتي والاندماج في المجتمع والشراكة ومساندة الرجل في الأعمال الاقتصادية. كما أن خوف المرأة وحرصها على عدم انهيار الأسرة وحدوث الفرقة والنزاع بينهم بسبب الورثة يدفعها للتنازل، هذا المفهوم تمَّ غرسها في المجتمعات الشرقية. هنا من الضروري التوعية الاجتماعية والقانونية في حقوق المرأة في الميراث، واتباع التنشئة الاجتماعية السليمة في الأسرة وعدم التمييز بين الأبناء الذكور والإناث في المعاملة.

استنتاج عام ومهم
بعد عرض هاتين القضيتين نتوصل إلى استنتاج عام ومهم، هو أن ما وصلت إليه المرأة الشرقية من الضعف والتهميش يعود السبب الرئيسي إلى المرأة نفسها، هي مَن أعطت الرجل الدور المتسلط، وجعلت من نفسها الضحية والضعيفة. ولفهم ذلك، نعود إلى ما يدور في أكثر الأسر الشرقية عند تزويج أحد أفراد العائلة، يكون تسليط الضوء على الطفل الذكر أكثر من الطفل الأنثى، عندما تقوم الأم بالبحث عن فتاة تليق بمقام ابنها، وبعد تزويجه، يبدأ المرحلة الأهم، عندما تنتظر تلك الأم بفارغ الصبر الحمل الأول لزوجة ولدها، وعند الولادة تكون عين الأم ودعواتها على أن يكون الطفل ذكراً، وهنا مربط الفرس، عند تفضيل الذكور على الإناث وخاصة عندما تؤسس الأم قاعدة التفريق والتسليط، وبعد أن يكبر ذاك الطفل الذكر تبدأ الأم بتوجيهه، أنت وريث اسم العائلة، انت حامي العرض والشرف، أنت وأنت وأنت… هكذا تنشأ العقلية الذكورية الشرقية.

الأم هي من تؤسس الذكر والأنثى
المرأة أساس بناء المجتمعات عندما تأخذ دور الأم، هي من تؤسس الذكر والأنثى، وهي قادرة على بناء مجتمع صحي أو مجتمع مريض، في هذه الحالة المرأة تستطيع أن تربّي أولادها على المساواة والمحبة والاحترام، وترفع من شأنهم إن كان ذكراً أو أنثى، هكذا يظهر العطف والحنان تجاه بعضهم البعض، ولكن المرأة الشرقية تفعل العكس تعطي الطفل الذكر الاندفاع نحو التسلط والعنجهية، وتربيته على أنه هو الحامي والمنقذ للأسرة والعائلة وهو من يحمي أخته وزوجته وحتى أمه في حال غياب الأب وبدونه تكون الأنثى عرضة للابتزاز والانتهاك، وفي المقابل تربّي ابنتها الأنثى على أن تكون ربة بيت ممتازة للمستقبل، وأن تطيع أخاها وألا تخرج عن مشورته، وعند الزواج أن تطيع زوجها وألا تخرج عن طوعه.

الأم الشرقية التي هي في الاساس أنثى ترى أن من حقها تربية ابنتها كي تكون أنثى مطيعة للذكر فقط دون توعيتها على أنها أيضاً إنسانة ولها حقوق وواجبات، وترى بذلك أنها حققت التربية الصالحة. لذلك تكبر البنت وفي اعتقادها أنّ مهمّتها فقط خدمة المنزل، ولا يشغل تفكيرها سوى أن تكبر وتتزوّج وتصبح أماً ولديها بيت. وبذلك تجعل من ابنتها مخلوقة ضعيفة تنتظر المساعدة والحماية من الرجل، وعندما تتزوج تصطدم بحائط الذكورية السلبي، ولكن المصيبة هذه الفتاة نفسها عندما تصبح أماً، تسير على نفس خطى أمها، وتتناسى ما كانت تصبُر عليه في الأمس.

ما يؤلم الشجرة ليس الفأس، ما يؤلمها حقاً أن يد الفأس من خشبها
إن الذكر والأنثى من سيناريو المرأة، هي من تُعجِّن الأطفال في عجّانتها نحو التربية الصحيحة أو الخاطئة، وتكون دائماً التربية غير سوية عند المرأة الشرقية بسبب رفضها الاعتراف بأنّها عاشت حياتها بشكل خاطئ.

إذاً، هي مَن ظلمت نفسها نتيجة اعتقاداتها الخاطئة، وستبقى هكذا إن لم تخرج من تلك الأوهام والاعتقادات، التي غرست في عقلها وأفكارها.

أعتقد أن توعية المرأة بعودتها إلى الطريق الصواب صعب جداً، تحتاج إلى التعليم ليست هي فقط بل التعليم مع الزوج على كيفية تربية الأبناء تربية سليمة، هكذا يتم فك هذه العقدة الذكورية المجتمعية، وتوجيههم على أن مفهوم الجندر والمساواة بين الجنسين ضرورة لخلق بيئة مجتمعية صحية تفتح آفاق الحب والسعادة والتعاون والألفة والتفاهم.

عزالدين ملا: كاتب صحفي

الصورة تعبيرية من النت

By admin-z