رغد المطلق

مرت الأيام البرتقالية العالمية خجولة حالها كحال كل عام، فدلالة اللون البرتقالي التي تشير لمستقبل أكثر إشراقاً وخالٍّ من العنف لا نرى لها بوادر تلوح بالأفق في ظل الوضع الراهن خاصة في سوريا، وسط إحصاءات عالمية مرعبة فـكل امرأة واحدة من أصل ثلاث نساء بالعالم يتعرضن للعنف بمختلف أشكاله، وفقاً للأمم المتحدة.

تعود علينا في شمال شرق سوريا حملة الـ16 يوم لمناهضة العنف ضد المرأة، التي تتجسد ببعض النشاطات على شكل لافتات تزين الشوارع أو ملصقات على مواقع التواصل الاجتماعي، وربما تنحصر في فعالية أو ندوة حوارية لمنظمات المجتمع المدني، لكن ماذا عن المعنفات أسرياً اللواتي لا يُسمع صدى لأصواتهن، هل حقاً التضامن كافي.

علياء الأحمد 36 عاماً “اسم مستعار” من الرقة، تتعرض للعنف الأسري بشكل مستمر من قبل زوجها الأربعيني أمام أطفالها الثلاثة، وسط محيط عائلي يعتقد أن هذا الضرب هو أحد حقوق الرجل ويجب أن يمارسه على المرأة، لذلك لم تتجرأ علياء على مجرد التفكير بأن تلجأ للسلطات المحلية لتقديم لو شكوى بحق زوجها، بحسب قولها.

“كان يضربني إلى أن أفقد الوعي وأطفالي يتصرخون تصل به أوقات أن يعنف أطفالي نتيجة صراخهم وبكائهم”، تقول علياء بخذلان كبير ودموعها تنهمر على وجهها المرهق، وتتابع بحسرة “أصبح جيراننا معتادين على صراخي وصراخ أطفالي فلا يجرؤ أحد أن يتدخل حتى”.

السيدة الثلاثينية كلما بادرت بالشكوى لأحد أقاربها أو ذويها تتكرر على أذهانها “بدك تتطلقي آخر عمرك، ولادك لمين ح يضلو”، ونتيجة ترسيخ الذهنية الذكورية بالمجتمع المحلي ترى علياء بأنها لا تجرؤ على خطوة اللجوء حتى لـ”دار المرأة” لأنها ستكون معيار في محيطها وربما حتى تُحاسب من عائلتها، فما يزال هذا الجانب معيباً وخطيئة بحسب وجهة نظر المجتمع العشائري حتى ولو كانت المرأة معنفة.

علياء لا تبالي لحملة الـ 16 يوم لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي بل لم تسمع بها، وتشير بحديثها عن ذلك بقولها: “هل لافتات الشوارع وضعت حد لزوجي أو تضامنهم الشكلي جعل المحيط يفهم بأننا بشر مثلنا مثلهم ولا يوجد مبرر للعنف، كل ذلك كلام شوارع” ولا يقدم أو يؤخر بالنسبة لي” على حد تعبيرها.

وعندما يرى مجتمع ما (كالمجتمع العشائري) أنّ الرجل يحقّ له ضرب المرأة أو أنّ المرأة لا تصلح لأيّ وظيفة كالرجل. فيقوم المجتمع بحصر خياراتها بين المعلّمة والطبيبة مثلًا، ناهيك عن قسم آخر من المجتمع يرفض عملها أساسا. ويقيّد حركتها. فهذا كلّه يُعتبر عنفاً قائما على النوع الاجتماعي والذي يعرف على أنّه، “أي فعل مؤذ يرتكب ضد إرادة الشخص، وهو مبني على الفروق بين الذكور والإناث التي يعزى وجودها لأسباب اجتماعية”. وهذا النوع من العنف هو الأكثر انتشاراً والأقلّ إبلاغاً.

في هذا السياق، تتعرض ريما خلف “اسم مستعار” 27 عاماً من ريف ديرالزور الشرقي، وتعمل مع احدى المنظمات في المجتمع المدني، هي الأخرى للعنف الأسري على يد زوجها، لكن بطريقة مختلفة عمّا تتعرض له علياء، تقول ريما: إن دخلها الشهري من عملها لا تستطيع التصرف به بسبب زوجها، فهو يقوم بأخذه عنوةً بذريعة إنها امرأة لا تعلم كيف تدير المال.

وتتعرض ريما للتهديد المستمر من زوجها بأنه سيتزوج عليها امرأة أخرى في حال لم تعطهِ دخلها الشهري، وتبين “خلف” بأنها حتى في حال لجأت لذويها ف هم ليسوا أفضل من زوجها بل سيمارسون ذات الأمر معها، لافتة إلى أن حتى المنزل الذي اشترته من مالها لم تستطع تسجيله باسمها فأقدمت على تسجيله باسم زوجها.

ريما وعلياء ينتمين لذات المجتمع الذي تسيطر عليه الأعراف العشائرية والعادات والتقاليد، حيث طلب الطلاق أو اللجوء للقانون لمحاسبة الشخص الذي يتعرض للعنف على يده تكون خطيئة كبيرة ومعيار في محيطهن، تلك المجتمعات لم تتبنى ثقافة “الجندر” او المساواة وحتى حقوق المرأة، ويرى البعض بأن هذا الامر يخالف عاداتهم لذلك لم يتأثروا بأي حملات أو نشاطات خلال الـ16 يوم لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي، بحسب ناشطين من المنطقة.

بدورها، تقول عائشة الخضر “30 عاماً” وهو اسم مستعار ناشطة من ديرالزور تتحفظ على الإفصاح عن اسمها الحقيقي نتيجة حساسية المجتمع بريف ديرالزور، “إن التربية الاجتماعية في المنطقة الشرقية تبرمج الفتاة منذ ولادتها على أنها أقل درجة من الرجل، إلى جانب أنهم يفضلون تزويج الفتيات قاصرات على إرسالهن للدراسة، مع العلم أنه التعليم مجاني، كما يتم فرض سحب المهر من الفتاة من قبل ذويها عند تزويجها، وحتى في بعض الحالات تتنازل الفتاة عن حقوقها تحت ما يسمى (زواج البدائل)، أو حتى ما يسمى بـ(زواج الثأر) و(زواج العطية) كما المتعارف باللهجة المحلية دون موافقة الفتاة”.

وتضيف عائشة بان النسوة لا يستطعن اللجوء للقانون في حالة الرفض نتيجة العنف المترتب على ذلك، سواء كان نفسياً أو جسدياً أو اقتصادياً والذي يصل الى حد الحبس ومنع الطعام عنها، وفي بعض الحالات يصل للقتل، ربما حتى في ذريعة ما يسمى (جرائم شرف)، والأمر الذي فاقم كل ذلك هو نتيجة الأفكار الرجعية المتوارثة.

ويحتاج المجتمع في المنطقة الشرقية لرفع مستوى التوعية عند جميع الفئات، ووضع قوانين صارمة تحاسب كل شخص يُقدم على أي نوع من أنواع العنف ضد المرأة، كما سحب امتيازات المعنفين أو من أقدم على فعل عنيف ضد النساء سابقاً وطرح هذا الفعل في سجلاتهم الشخصية، ليتم رفضهم من أي عمل تابع للجهات المسيطرة أو منظمات المجتمع المحلي وذلك أضعف الإيمان، بحسب الناشطة عائشة الخضر.

احصائية مرتفعة”
ووفقاً للتقرير الصادر عن منظمة حقوق الانسان في شمال شرق سوريا وبحسب إحصائية واردة عن هيئة الداخلية في شمال شرق سوريا عن الجرائم والانتهاكات المرتكبة في مناطق شمال وشرق سوريا والتي توزعت على الشكل التالي: 28 حالة اغتصاب، و79 حالة قتل، و15 حالة خطف، 43 حالة انتحار.

وأشار تقرير المنظمة إلى أنه بحسب ما ورد من مجلس العدالة الاجتماعية في شمال شرق سوريا، فإن إحصائية حالات العنف ضد المرأة بالمنطقة كان مجموعها 433 حالة على الشكل التالي: 177 حالة تعدد زوجات، 112 حالة زواج قاصرات، 144 حالة تندرج على أنها عنف وضرب.

ويُعد العنف ضد المرأة والفتاة واحداً من أكثر انتهاكات حقوق الإنسان انتشارًا واستمرارًا وتدميرًا في العالم وعلى وجه الخصوص بلاد النزاع، ولم يزل مجهولاً إلى حد كبير بسبب ما يحيط به من ظواهر الإفلات من العقاب والصمت والوصم بالعار، ولا يزال العنف ضد المرأة يشكل حاجزاً في سبيل تحقيق المساواة والتنمية والسلام، وكذلك استيفاء الحقوق الإنسانية للمرأة والفتاة.

ويشير تاريخ 25 نوفمبر إلى اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة لإطلاق 16 يوماً من النضال والتي اختتمت في 10 ديسمبر/كانون الأول الحالي اليوم العالمي لحقوق الإنسان.

واختارت هيئة الأمم المتحدة للمرأة يوم 25 من كل شهر كيوم برتقالي -لحملتها- “اتحدوا، قل لا” التي أطلقت في عام 2009 لتعبئة المجتمع المدني والناشطين والحكومات ومنظومة الأمم المتحدة من أجل تقوية تأثير حملة الأمين العام للأمم المتحدة لإنهاء العنف ضد المرأة. وفي رسالته بهذه المناسبة، قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في كل 11 دقيقة، تُقتل امرأة أو فتاة على يد شريك أو أحد أفراد الأسرة.

قصة اليوم العالمي للقضاء على “العنف ضد النساء”
وقصة اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد النساء بدأ مع ثلاث شقيقات، هن باتريسيا وماريا وأنطونيا، وهن من عائلة ميرابال، كان والدهن رجل أعمال ناجح وكن يعشن حياة الطبقة الميسورة المستقرة.
تعرضن لعملية اغتيال وحشية في 25 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1960 في جمهورية الدومينيكان، بأوامر من حاكمها وقتها رافاييل تروخيلو، بسبب كونهن معارضات سياسياً لنظام تروخيلو الذي ظل على هرم السلطة في بلاده حتى عام 1961، فارضاً سيطرة مطلقة على البلاد.
وبعد انهيار نظام تروخيلو، كرمت ذكرى الأخوات ميرابال، وقامت أختهن الرابعة المتبقية على قيد الحياة المسماة ديدي بتحويل المنزل الذي ولدن به لمتحف لشقيقاتها الراحلات يضم مقتنياتهن، إضافة للكتب والأفلام الوثائقية والسينمائية التي خلدت ذكراهن.
وتكريما للأخوات ميرابال اللواتي أصبحن رمًزا للمقاومة والنضال والبسالة في مواجهة العنف ضد النساء، قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1999 تخليد ذكراهن من خلال الاحتفال سنويا باليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة بالتزامن مع يوم وفاتهن.

هذا ونسقت مجموعة كبيرة من الفعاليات العامة، على مستوى العالم بشكل عام وشمال وشرق سوريا على وجه الخصوص، حيث أضيفت لمسة برتقالية إلى المباني البارزة والمعالم للتذكير بالحاجة الماسة لمستقبل خال من العنف.

رغد المطلق كاتبة صحفية

الصورة من النت

By admin-z